أخبار محلية
حنان باحميد.. إلهام التغيير رغم التحديات في حضرموت
في زاوية مشرقة من حضرموت، تبرز حنان باحميد كرمز للعطاء والتفاني، حيث كرّست حياتها لخدمة الفئات الأكثر ضعفًا واحتياجًا من خلال مؤسسة "بركة للتنمية" التي أسستها.
"حضرموت من لها؟" بهذه الكلمات المفعمة بالانتماء، بدأت حنان حديثها لمنصة هودج، مؤكدة أن حبها لوطنها كان الدافع الأساسي وراء قرارها العودة من الخارج بعد أن أنهت دراستها للماجستير في القانون في الجمهورية التونسية.
البداية
بدأت حنان مشوارها المهني كمساعِدة فنية في مشروع تنموي تابع للسفارة الهولندية في محافظة شبوة، جنوبي شرق البلاد، ثم تعاونت مع منظمات دولية مثل الأمم المتحدة والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) وغيرها.
ومع مرور الوقت، دفعها طموحها لإحداث تغيير حقيقي إلى تأسيس "مؤسسة بركة للتنمية" عام 2018. ركزت المؤسسة على قضايا المرأة والطفل، مع تعزيز الابتكار والإبداع لدى الشباب في حضرموت.
تقول حنان: "المؤسسة تعمل وفق رؤية شاملة لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال تمكين النساء والفتيات، وتحسين الأمن الغذائي، وتعزيز سبل العيش، والحد من الفقر، وضمان حماية الأيتام والأطفال الضعفاء، وتعزيز الصحة العقلية والرفاه النفسي والاجتماعي للمجتمع".
وتطمح المؤسسة إلى نشر السلام والازدهار من خلال تمكين المجتمعات لتصبح أكثر صمودًا واستدامة، مع التزامها بتقديم مبادرات مبتكرة لدعم المرأة، وتعزيز الأمن الغذائي، والمساهمة في بناء السلام.
التحديات
رغم ما يتميز به المجتمع الحضرمي من تدين ورُقي اجتماعي، لا تزال بعض التحديات العاطفية والاجتماعية تلقي بظلالها على استقراره.
تشير حنان إلى ضعف الترابط العاطفي في بعض الأسر بالمحافظة، إضافة إلى تزايد حالات التفكك الأسري والطلاق، وغياب التكافؤ في العلاقات الزوجية، مما يشكل فجوة لها أثر سلبي على بنية المجتمع الحضرمي. وتؤكد: "هذه المشاكل تتطلب حلولًا مبتكرة لتعزيز الوعي والتكافل الاجتماعي."
كما تلفت الانتباه إلى التأثير المدمر للحرب على البنية التحتية، وتوقف بعض الجهات الداعمة، وضعف التمويل اللازم لتنفيذ المشاريع، ما يجعلها تبحث باستمرار عن مصادر تمويل بديلة لضمان استدامة هذه المشاريع النموذجية.
مشاريع متميزة رغم التحديات
تعاني حضرموت، كغيرها من المحافظات اليمنية، من أزمات متفاقمة نتيجة النزاعات المستمرة والتدهور الاقتصادي، ما أدى إلى ارتفاع أعداد النازحين والأطفال اللقطاء بشكل ملحوظ، باعتبارهم من الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. ورغم كل ما واجهته، أطلقت حنان مشاريع ملهمة تركت أثرًا عميقًا في حياة الكثيرين.
أبرز هذه المشاريع كان "الطفل المحضون"، أواخر عام 2021، بهدف توفير بيئة آمنة للأطفال اللقطاء. سجل المشروع 48 طفلًا ضمن أسر ملتزمة خضعت لتقييم دقيق من الجوانب الدينية والاجتماعية. وضمن برامج المؤسسة للرعاية والحماية، تم دعم الأطفال اليتامى والنساء الناجيات من العنف، حيث وفرت بيئة آمنة لـ 3000 مستفيد.
وفي استجابة لتزايد أعداد النازحين في مخيمات مدينة الشحر بمحافظة حضرموت، أطلقت حنان مشروع "الأكشاك المتنقلة في الصحراء"، الذي استفاد منه أكثر من 400 شخص، وقدم خدمات تعليمية للأطفال وبرامج محو الأمية للنساء في تجمعات النازحين. كما عملت المؤسسة على تأهيل المدارس في المناطق النائية، ساعيةً إلى تطوير الأكشاك بإضافة مراكز تدريب مهني لتحسين حياة المستفيدين.
تقول حنان: "على مدى أكثر من أربع سنوات، قدمنا خدمات مياه شرب نظيفة وغسل المخيمات بمعدل 2000 لتر يوميًا، مع تحسين شبكات المياه والصرف الصحي، ما استفاد منه حوالي 44,600 شخص في مجال المياه والإصحاح البيئي."
قصة أم محمد
تقول أم محمد، امرأة في الثلاثينيات من عمرها، مستفيدة من برنامج محو الأمية بمشروع الأكشاك: "أول ما تمكنت من القراءة والكتابة وقرأت القرآن الكريم، انتابني شعور بالأسى والحسرة، لدرجة أنني بكيت لحرماني من حق من حقوقي وهو الحصول على التعليم كباقي الناس في المجتمع."
تضيف: "في البداية وجدت صعوبة بتعلم الحروف والكلمات، إلا أنني جاهدت نفسي بعد سنوات من الحرمان وتعلمت الكتابة والقراءة. بدأت بعدها أعلم أولادي وزوجي الحروف والكلمات لكي يكونوا متمكنين من القراءة والكتابة وأيضًا لحفظ القرآن."
خطط ورؤية مستقبلية
تضع المؤسسة خططًا لمواجهة التحديات بشكل منهجي، من خلال توفير دعم مستدام يضمن استمرارية المشاريع، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع تجارية توفر دخلًا ثابتًا للمؤسسة. كما تسعى لتحسين آليات الإدارة والتخطيط لضمان توظيف أفضل للموارد.
وتطمح المؤسسة في رؤيتها المستقبلية إلى توسيع نطاق عملها ليشمل محافظات أخرى في اليمن، مع تقديم حلول مبتكرة لدعم الفئات الأكثر احتياجًا وتعزيز سبل العيش في المجتمع الحضرمي والمناطق المحيطة.
تظل حنان باحميد نموذجًا ملهمًا في حضرموت، وتجسد القدرة على التغيير الإيجابي في أصعب الظروف، من خلال مؤسسة "بركة للتنمية"، التي تمثل نموذجًا عمليًا ومؤثرًا في خدمة المجتمع، ساعيةً إلى تحقيق التنمية الشاملة وتحسين حياة الفئات الأكثر هشاشة.