اخبار دولية

في ذكرى ميلادها.. يوهانا شبري الكاتبة التي أسعدت العالم بـهايدي

الكاتبة يوهانا شبري

24 ـ نجاة الفارس :

في مثل هذا اليوم، 12 يونيو (حزيران) ولدت الكاتبة يوهانا شبري عام 1827، في قرية هيرزل قرب زيورخ، سويسرا، تلك المرأة التي كتبت واحدة من أنقى روايات الطفولة في تاريخ الأدب العالمي، رواية "هايدي" التي ترجمت لأكثر من 50 لغة، وتحولت لعشرات الأفلام والمسلسلات.

 نشأت يوهانا في بيئة ريفية غنية بالطبيعة، وسط عائلة مثقفة وملتزمة بالقيم المسيحية، وكان والدها يوهان هاي طبيباً، ووالدتها ميتا هايمان شاعرة وكاتبة قصص للأطفال، وقد تأثرت منذ طفولتها بحكايات والدتها وقصص الفلاحين، التي ألهمت أجواء أعمالها لاحقاً.

درست في مدارس زيورخ في سن مبكرة، وأظهرت موهبة في الكتابة، لكنها لم تلتحق بجامعة رسمية، وحصلت على تعليم عال المستوى في المنزل، كما كان شائعاً بالطبقة الوسطى في سويسرا آنذاك، وكانت يوهانا بارعة في تعلم اللغات، فأتقنت الألمانية، وتعلمت الفرنسية وبعض اللاتينية، وانضمت للأنشطة الثقافية والأدبية بزيورخ، وتأثرت بحركة الرومانسية الألمانية.

كتبت أكثر من 50 عملاً أدبياً، معظمها قصص للأطفال وللناشئة، بين روايات قصيرة وحكايات تربوية، ولكن رواية "هايدي" التي نشرتها عام 1880، و1881 في جزأين، كانت من أكثر روايات الأطفال انتشاراً وتأثيراً، فقد تم ترجمتها إلى أكثر من 50 لغة، ومع أن يوهانا شبري، ابنة زيورخ، لم تدخل الجامعات، لكنها عرفت الجبال جيداً، وأرادت أن تُربّي القيم لا أن تدرّسها، أن تُشعرك بأنك بخير ما دمت قريباً من الأرض، من الحيوان، من الطفولة.

المعظم تابع في طفولته مسلسل الكارتون "هايدي" الذي أخذ من هذه الرواية، كما أخذت منها عشرات الأفلام والمسلسلات بلغات متعددة، هايدي التي انبثقت من قلب جبال الألب السويسرية، من بين ضوء الصباح وندى المراعي، لا لتكون بطلة رواية فحسب، بل لتغدو رمزاً للحنين الإنساني الخالص، للصوت الداخلي الذي ينادي الإنسان بالعودة إلى فطرته الأولى، حيث البراءة والصدق والطمأنينة.

فما زال الكثيرون يذكرون هايدي، تلك الطفلة اليتيمة ذات القلب المضيء، التي تُؤخذ من خالتها لتعيش مع جدّها الغامض في كوخٍ معزول بجبال الألب، في ذلك العلو الذي لا تصل إليه المدن ولا تصل إليه القوانين، حيث تبدأ الطفلة رحلتها الداخلية في إعادة تشكيل عالم من حولها، فيستسلم الجد المتوحّد لسحرها الطفولي شيئاً فشيئاً، والراعي الصغير يجد فيها صديقة الحياة، أما الجدة الكفيفة فكانت تستمع إلى ضحكتها كأنها تتلمس النور.

ولكن القدر لا يترك هايدي في سلام، فتُنتزع من الجبل لترسل إلى فرانكفورت كمرافقة لطفلة مريضة، وهناك تبدأ مفارقة الرواية، عالم فرانكفورت بارد رغم ثرائه، أنيق رغم جفافه، لا مرعى هناك ولا رائحة صنوبر، فقط سيدة تريد تعليم هايدي كيف تجلس وتتكلم وتأكل، لكن الطفلة لا تتأقلم، ويبدأ المرض يتسلل إلى روحها، لا بسبب جسمها بل بسبب الشوق والحنين إلى الجبل، وهنا يتبدّى أعظم ما في رواية "هايدي"، فالكاتبة شبري لا تنتقد الحضارة، بل تذكّرنا بأن الإنسان حين ينفصل عن الطبيعة، ينفصل عن نفسه.
وحين تعود هايدي إلى الجبل، تسترد عافيتها فوراً، لكن الأجمل أن الطفلة المريضة عندما تزور هايدي لاحقاً، تبدأ قدماها المشلولتان بالتحرك، وتحدث معجزة، فهل كان الهواء هو العلاج؟ أم أن الصداقة الحقيقية تفعل ما تعجز عنه الصيدليات؟.

هايدي كانت، وما زالت، رمزاً لطفولة غير مدجّنة، طفولة لم تمر عبر فلاتر العواصم، ولم تُخرّبها المدارس الصارمة، ولا الملابس المعقّمة.
كتب الكثير من  النقّاد عن هايدي، فمنهم من رآها حكاية بسيطة للأطفال، ومنهم من قرأها كمرافعة أخلاقية عن الطبيعة، ومن اعتبرها صرخة أنثوية ناعمة في مجتمع ذكوري طبقي، لكن الحقيقة أن الرواية لا تنتمي إلى تصنيف واحد، إنها قصيدة ريفية في هيئة سرد ناعم. فيها فلسفة الفطرة، نقد الطبقية، تعليم غير مباشر، وتربية وجدانية لا تُشبهها أي رواية في زمنها، فقد تم تحويلها إلى عشرات الأفلام والمسلسلات، أبرزها النسخة اليابانية التي أحبّها أطفال السبعينات والثمانينات.
وفي زمن السرعة والمدن الزجاجية، ربما نحتاج إلى هايدي أكثر من أي وقت مضى، نحتاج أن نجلس على صخرة بجانب جدّ عجوز، ونترك الماعز تمرّ أمامنا، دون الحاجة لهاتف أو موعد أو لغة رسمية، هايدي ليست حكاية للأطفال، إنها درس في الإنسانية… لمن بقي له قلب طفل.

أثنى العديد من النقاد على كتابات يوهانا شبري لقدرتها على نقل البساطة والدفء الأسري، وملامح الطبيعة السويسرية الخلابة، فطالما حثت مؤلفاتها على القيم المسيحية، والصدق، والعمل، والرحمة، وتركت أعمالها تأثيراً نفسياً عميقاً، وألهمت أجيالاً من الأطفال كما ارتبطت كتاباتها لديهم بالانتماء، والطفولة، والحرية، وفي 7 يوليو 1901 توفيت يوهانا في زيورخ، عن عمر يناهز 74 عاماً.

 

 

هل من الآمن استخدام وسائل منع الحمل لوقف الدورة الشهرية لوقت طويل؟


إسرائيل تقصف ميناء الحديدة اليمني من جديد


تعذيب طفل يتيم على يد عمه يشعل غضب السوريين


عطل مفاجئ يضرب "شات جي بي تي" على مستوى العالم