فن
منال عبدالواحد تغوص في تفاصيل فيلم قبل الزفة
غاصت الكاتبة منال عبدالواحد في مقال لها في تفاصيل احداث " فيلم قبل الزفة " من زوايا عدة ولما للمقال من اهمية تستحق القراءة نعيد نشره نصيا ادناه .
تطغى علي نظرة المشتاق المثالية نحو بلاده في هذا الموضع، لكني أستغل رغبتي في الكتابة على أي حال، عليَّ بذلك أذكر ما أحياه هذا الفيلم من وصال تضاءل حتى في يومي المعتاد ..
لست بناقدة ولا أمتلك أدواته بالمعنى المتفق عليه.
لكني أحاول كشف ملامح ما عشته ثلاث مرات مع فيلم عشرة أيام قبل الزفة.
هي قصة حب إنسانية أصيلة، مصاغة بمحلية قد تختلف حولها الآراء كونها تصل للمتلقين بأشكال مختلفة وبمستويات وعي متباينة. رغم أن تجلي المعاني بوجوه عدة دليل حياة العمل الفني واستمراريته.
لتوقيت الفيلم أهمية في أنه يوثق ما قد يفلت بعد انتهاء الحرب من الذاكرة اليمنية الجمعية. تشظٍ مجتمعي أحدثه النزوح والتمترس في المعسكرات. هجرة الشباب بين أحلام ذوت وأمل موارب في العودة. فجوات بين شرائح المجتمع كانت موجودة في الأصل وأتت الحرب لتعززها.
ومن زاوية أخرى، يكرس الفيلم قدرة الإنسان البسيط على رمي همومه عن كتفه بسخرية، وهي سمة الكادحين عامة والإنسان اليمني الملغوم باللكاعة حيال الظروف في هذا العمل.
ودون مثالية مفرطة، فقد نجح الفيلم ضمن خلفية الحرب ملامسة تفاصيل تحتفظ بها المجتمعات حيث العيش الأبسط، وذلك كما أتى في بدايات الفيلم حين قرأ أحد الشخصيات عبارة "الأمور طيبة" عن نافذة سيارة عابرة واستخدمها مواساة لصديقه المنكوب.
يأخذك الفيلم في بدايته لقلب المكان، حوافي مدينة عدن، ويصور معالم البيت العدني (الكريتري) الأصيل كما هو. لجبٌ وحوار أسري مليء بالعاطفة، يربك المشاهد ويشده وكأنما يقول: "هذا ما نحن عليه، هؤلاء هم أصحاب عدن".
ثم يعرج بك بعدها لمشهد جبار بعد المنزل العريق إلى كريتر نفسها، قلب عدن، مُكللًا ذلك بصاحب الصوت الرخيم: العملاق أحمد قاسم. وكأنما يقول " هنا عدن" باقيةٌ أخاذةٌ رغم الإنهاك الذي طالها.
تنهال القصص بعدها ضمن حبكة تعبرك أطيافاً من المشاعر وتنقلك إلى تناقضات عديدة، أهمها: قدرة الإنسان على مواءمة بين ما يطاله من قبح الواقع وما يحلم هو به من جمال.
اعتنى الفيلم بتفاصيل ترقى لأن تعتبر مخزوناً للذاكرة العدنية واليمنية عموماًً. مثل ستارة المدخل (البردة) وهي عادة عدنية أصيلة، ولحظات عميقة مُنحت لبطلي الفيلم الجميلين في سوق الطويل، ونقاش بين الشخصيات وهم يتناولون آيسكريم أبو روتي في التواهي.
كما تكاثفت فيه ألفاظ وعبارات عدنية جميلة مثل: أم المساكين، أوكني بي، لسانتك بلا مردم، ميدان الحبيشي، الغريري، الكشي، روفلي، شقب، قزيل.
عرض الفيلم شخصيات بخلفيات متنوعة وكانت جميعها تحمل عدن بكل جمالها وتناقضاتها. خالة أم السعد التي ترفض ترك عدن، ووالد مأمون وجه عدن الطيب الذي لم يفقد أمله بها، ووليد الشخصية الفكاهية التي ما خلت من الشهامة والجدعنة.
وأتى دور المرأة محركاً ومؤثراً في تسيير أمور الحياة، هذه تبيع الخمير لتجلب دخلاً للأسرة، وتلك البخور، وأخرى تطرز لتكمل دراستها، ورشا التي تتسلم زمام الأمور في مراحل لاحقة.
وقد ذكرت هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر.
أما الموسيقى التصويرية فقد لفت المشاهد بأجواء مشحونة بالشجن.
كذلك الخلفيات البصرية أثناء تتابع الأحداث مثل: لافتة صيدلية دواء الروح بعد مشهد مشحون بالجدال، وعبارة الغرافيتي عدنان قاتل الزير أثناء مشهد تآمر في سوق القات، وعبارة ارحل يا علي عند مشهد تفوح فيه رائحة المجاري، وغيره الذي يرسم شخصية المكان من عبث وتفاؤل و اعتراض.
ولعل أجمل التفاصيل في نظري، هو بقاء المبخرة وإبريق الشاي (المجمرة والكتلي) على مغسلة المطبخ المهجور في بيت رشا وعائلتها الذي دمرته الحرب. وذلك لأنهما روح المنزل العدني المرتبط بساعات العصر والعواف.
وعلى كل، سيظل هذا الفيلم شاهداً على وقت مر علينا كيمنيين. وبعيداً عن ظروف تصويره وعن مكانة عدن لدي، وقصص البسطاء التي قد يُتغافل عنها وتظل غير محكية إن لم نحكها في أعمال كهذه، فقد كان الفيلم مؤثراً جداً وستبقى مكانته على الدوامة أنه أول فيلم يمني تم تصويره أثناء الحرب.