تقارير
معاناة إنسانية واقتصادية... الحرب تلقي بظلالها على اليمنيين في رمضان
سلبت الحربُ البريق المعتاد لشهر رمضان المبارك في اليمن، فمع ثاني أيام الشهر الفضيل، بدت الدروب هاجعة، والبيوت تكسوها مسحة كآبة لا تخطئها عين عابر، وليل لا يبدو أن رمضان قد طرق سكونه، بعد أن غيّر الحزن بهجته، التي كانت فيما مضى تشهد صخباً وتضج بالحياة، جراء الحرب الدائرة في البلاد، منذ أكثر من أربع سنوات، بين القوات الحكومية، ومسلحي الحوثي من جهة أخرى.
رمضان وتداعيات الحرب
يحلُّ رمضانُ هذه العام بالتزامن مع وضع إنساني واقتصادي صعب، زاد من معاناة البلد، وضاعف من حدته نزوح أكثر من 3 ملايين يمني من بين 27 مليون نسمة إجمالي عدد السكان، بعد أن دفعتهم المعارك إلى ترك منازلهم، إضافة إلى ارتفاع كبير في الأسعار، يرافقه انقطاع مرتبات الدولة عن معظم موظفي القطاع الحكومي، الذين يبلغون نحو 1,2 مليون موظف، حسب البنك المركزي اليمني، علاوة على غياب الخدمات الأساسية الأخرى، وفي مقدمتها الكهرباء، عن معظم المحافظات اليمنية، الأمر الذي انعكس بدوره على حياة اليمنيين خلال شهر رمضان بصورة مباشرة.
ضعف القدرة الشرائية
بدت الأسواق ومحال بيع المواد الغذائية هذا العام شبه خاوية، مع إقبال ضعيف على الشراء بعكس السابق، عندما كانت تضج قبيل حلول الشهر الفضيل بالسلع في ظل إقبال كبير على شراء احتياجات الشهر الفضيل.
يقول خالد السيد صالح، موظف حكومي، إن "رمضان يأتي هذا العام بينما الحالة الاقتصادية تمنع غالبية الناس من شراء كل ما يحتاجونه من متطلبات هذا الشهر كالتي تعوَّدنا عليها في السابق".
ويضيف المواطن اليمني، وهو يشير إلى المواد الغذائية المرتصة بتأهب في أحد المحال التجارية بحي الشيخ عثمان، "كل هذه المواد، خصوصاً الأساسية من أرز وألبان ولحوم وزيوت وغيرها تضاعفت أسعارها، والراتب الشهري الذي نتحصل عليه بالكاد يكفي شراء بعض المواد الغذائية المهمة، وبأسعار مرتفعة".
شهدت أسعار المواد الأساسية في اليمن ارتفاعاً بنسبة 2%، وزيادات متتالية في أسعار المواد الغذائية، رغم التحسُّن في سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الأخرى، إذ انخفض سعر الدولار الواحد إلى 500 ريال يمني، بعد أن بلغ 600 ريال في نهاية شهر مارس (آذار) الماضي.
وحسب تقرير مؤشرات الاقتصادي اليمني لشهر مارس (آذار) الماضي، الصادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي (غير حكومي)، فإن العاصمة اليمنية صنعاء احتلت المرتبة الأولى في ارتفاع الأسعار بنسبة 5%، تلتها الحديدة، فعدن، ومأرب بنسبة 3%، ثم تعز، وكانت محافظة حضرموت هي الوحيدة التي شهدت فيها الأسعار تراجعاً سالب واحد.
معاناة اقتصادية وفشل حكومي
يقول الباحث في الشأن الاقتصادي، عبد الواحد العوبلي، إن "رمضان يأتي هذا العام مع تزايد حدّة الضغوطات على المواطن اليمني بالتزامن مع تذبذب سعر صرف الريال اليمني، وعدم إيفاء البنك المركزي بوعوده بتسهيل الحصول على الاعتمادات لاستيراد المواد الغذائية".
وأضاف الباحث الاقتصادي، في حديثه لـ"إندبندنت عربية"، أن "الإتاوات غير القانونية المفروضة على التجار في مناطق الشرعية، صعّبت مهمة مستوردي المواد الغذائية، ما سبب زيادة جديدة في أسعار المواد الغذائية، التي يتحملها المواطن، الذي يفتقد لمقومات العيش البسيطة، فلا رواتب تصرف، ولا فرص للحصول على أعمال تدر دخلاً، إضافة إلى أوضاع المغتربين الصعبة، التي قلَّصت من قدرتهم على دعم ذويهم في اليمن بمبالغ مالية".
وتابع الباحث الاقتصادي، "تستمر الحكومة اليمنية في استهتارها وفشلها في إدارة موارد البلد والإنفاق غير المحسوب والفساد المستشري في كل مرافق الدولة من دون عمل حساب لشحة الموارد والعجز الحاصل في الموازنة، التي تم الإعلان عنها قبل نحو شهر، واستمرارها في استخدام القروض من العملة الأجنبية".
إضاءات تبدّد العتمة
رغم كل العتمة، التي ألقت بظلالها القاتم على مختلف مناطق اليمن، فإن شوارع العاصمة المؤقتة عدن شهدت عودة ملحوظة لملامح الابتهاج بشهر رمضان، إذ تزينت أزقتُها وشرفات منازلها ببعض الزينة المضيئة تعبيراً عن الفرحة بالشهر الفضيل.
وحسب هارون منصور، من أبناء عدن، الذي قال لـ"إندبندنت عربية" إن "الحارات والأحياء والساحات العامة في عدن، شهدت عودة ملحوظة للأطفال والصبية للعب واللهو ليلاً كعادة قديمة متوارثة بفضل التحسُّن النسبي في الجانب الأمني".
مساع للمساعدة
وقررت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، الشهر الماضي، تقديم مبلغ 200 مليون دولار خلال شهر رمضان إلى اليمن، في إطار حزمة مساعدات قدرت بنحو نصف مليار دولار، أعلنتها البلدان نهاية العام الماضي.
فيما تسعى الأمم المتحدة إلى إبرام هدنة إنسانية مع حلول شهر رمضان، غير أن كل المؤشرات تشير إلى الاستمرار في التصعيد العسكري تقابلها أمنيات اليمنيين أن تصغى أطراف الحرب إلى دعوات السلام المتكررة، ومنحهم فسحة جديدة للعيش في جو رمضاني هادئ وآمن طال انتظاره.