تقارير
وثّق خلال 27 عاما عشرات الآلاف من الأحداث والمناسبات المختلفة بردفان: بالليل الفطيسي مؤرخ خارج دائرة الضوء
في زمن الشبكة العنكبوتية والأرشفة الإلكترونية مازال التوثيق والأرشفة التقليدية يلقيان اهتماماً بالغاً لدى بالليل راجح عبد الله الفطيسي، الذي أمتهن مسيرة التوثيق طيلة 27 عاماً من التدوين اليومي ومازال، ليصبح المؤرخ الأول للأحداث والمناسبات في ردفان بمحافظة لحج.
بمجلدات تحكي سطور التاريخ، ودفاتر تحوي أرشيف الحوادث، وأحبارٍ لوّنت صدر الصفحات استطاع بالليل الفطيسي (48 عاماً) أن يوثق ويؤرشف عشرات آلاف الأحداث التاريخية الاجتماعية والسياسية ومعظم المناسبات والوقائع التي رصدت بشكل يومي بتفاصيل متناهية وبكل شغف وحب.
وعلاوة على هوايته التي يعمل من خلالها على حفظ تاريخ المنطقة، يبرز "الفطيسي" كقامة تربوية ونضالية فذة، وشخصية اجتماعية ودينامو محرك للأنشطة الرياضية والثقافية والمجتمعية، منبثقاً من ظروف معيشية صعبة دون أن ينتظر الثواب من أحد.. وعلى الرغم من جهوده تلك إلا أنه لم يلقَ أي التفاتة كتكريم معنوي لرجل قضى جل حياته من أجل المديرية وحفظ تاريخها وخدمة أجيالها.
هواية وشغف
ويشير الفطيسي في حديثه لـ "الأيام" إلى أنه بدأ بعملية التدوين منذ العام 1993م، أي عقب تخرجه من معهد دار المعلمين، وكان ذلك التاريخ هو بداية عملية التدوين للأحداث التي عاشها، بالإضافة إلى الكثير من الأحداث التي شهدتها المنطقة منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم، مؤكداً على أن عملية تدوين الأحداث أتت كدافع شخصي لحفظ تاريخ المنطقة وصونه من النسيان والسقوط بالتقادم.
وأوضح أن هناك الكثيرين يأتون إليه إما لتزويدهم بمعلومات عن أحداث تستحق التدوين، أو للحصول على تاريخ أحداث سابقة هم بحاجة إليها، كإرث التاريخي يستحق الاحتفاظ والعناية به.
وتتوزع جوانب التدوين بين أحداث اجتماعية كالأعراس والوفيات والجوانب التربوية، وكذلك المناسبات الرياضية والسياسية وغيرها، إضافة لرصد شهداء الحراك الجنوبي والمقاومة وكذا شهداء حرب صعدة وحتى شهداء ثورة 14 أكتوبر 1963م.
وفي تفاصيل الحديث عن البيانات أشار إلى ارتفاع منسوب الزواج خلال الثلاثة الأعوام الأخيرة، مفسراً ذلك كنتيجة طبيعية لحصول الكثير من الشباب على فرص عمل في الجانب العسكري، لاسيما في "الساحل الغربي" وهو الأمر الذي أدى لاقتدار الكثير منهم على توفير إمكانات الزواج، إضافة لارتفاع أعداد الشهداء لدواعي التوجه ذاته.
طموحات وصعوبات
ولا يرى الفطيسي الإنجاز في مشروع التوثيق فقط، بل يراه يكمن أيضاً في الإرادة التي تسلح بها دون أن يساوره الملل لوهله، وهي الإرادة ذاتها التي يتمنى أن يراها تتجلى في همم أبناء ردفان لبناء المجتمع وتعزيز الدور التعليمي والثقافي والرياضي، داعياً قيادة السلطات المحلية في مديريات ردفان إلى المزيد من الاهتمام بهذه الجوانب.
وبلكنة حزينة يعبر عن استيائه من تقصير الجهات المختصة في ردفان وحبيل جبر على وجه الخصوص، بالقول: "لم نلمس اهتماما فعليا من قبل السلطات المحلية المتعاقبة. التعليم متردٍّ والبرامج التوعوية غائبة والأنشطة نادرة وأولياء الأمور لا يتابعون أبناءهم، ورواتب المعلمين زهيدة، إضافة لظاهرة الغش والكثير من هذه الإشكاليات التي لم تلق معالجات حقيقية"، مضيفاً: "نأمل الاهتمام بالشباب والمبدعين وتشجيعهم وإقامة البرامج والأنشطة التي تؤدي إلى عزوفهم عن تعاطي القات وتنويرهم ودفعهم للالتحاق بالدراسة الجامعية وإخراج المجتمع ككل من حالة الركود والإحباط".
نكران
"جهودنا تقابل بالنكران" بهذه الكلمات يعبر بالليل عن مستوى التغاضي الذي يمارس ضد المبرزين من قِبل السلطات المحلية المتعاقبة، ويتابع بالقول: "نحن لا نبحث عن مواقع وظيفية أو نحوه، ولكن التعيينات لشخصيات لا تملك الكفاءة في مكاتب المديرية المتعلقة بالثقافة والرياضة ونحوه، تجلب الإحباط والركود، وهذا أمر يثير الاستياء، ولهذا نتمنى أن نحظى بشيء من الالتفات للشخصيات التي تعمل على الأرض وتجدونهم في مقدمة كل عمل يخدم المديرية وأبنائها".
ويشير الفطيسي في ختام حديثه لـ "الأيام" إلى أنه يفكر باستعراض أعماله في معرض خاص ليطلع الجميع على المخزون التاريخي والحصاد من التدوين للأحداث طوال سنين التوثيق، حتى تلك التي غادرت ذاكرة الناس، أملاً أن ينقل فكرة توثيق الأحداث لأبنائه ليكملوا المشوار بعد رحيله، لكنه يخشى أيضاً أن يتعرضوا لجملة المتاعب التي تعرض لها وكابد لتجاوزها حباً لهوايته التي صنعت منه مؤرخاً يشار إليه بالبنان.
إشادات
وأكد مدير مدرسة "جراع" مختار عبد الله ناشر، بأن الدور الذي يقوم به بالليل الفطيسي، مهم جداً، ويضيف لـ "الأيام": "على الرغم من انشغاله بالأنشطة الرياضية والثقافية ومشوار رصد الأحداث، إلا أنه من أكثر المعلمين انضباطاً وحرصاً وتأديةً للرسالة التعليمة والتربوية على أكمل وجه وبكل إخلاص".
ويأمل ناشر من أبناء المجتمع أن تتضافر جهودهم للوقوف إلى جانبه في مختلف المواقف والظروف.
فيما قال الناشط الحقوقي نائف اليعقوبي: "الفطيسي يجمع في شخصيته شخصيات عديدة، تربوياً، ثقافياً، رياضياً، علاوة إلى كونه مؤرخاً يعمل بصمت خارج دائرة الضوء، وعلى الرغم من دوره ومكانته إلا أنه شخصية لا تحب الظهور ولا يسعى لمكاسب ذاتيه أو كسب شهرة لقاء عمله وجهوده المختلفة".
وناشد اليعقوبي السلطات المحلية، ممثلة بمدير عام مديرية حبيل جبر، بـ "ضرورة الالتفات لجهود الفطيسي وتلمس أعماله والنظر إلى متطلبات عمله ومساعدته في التغلب على ظروف الحياة".
* صورة للصجفي جمال مجسن الردفاني مع الفطيسي