تقارير
تايتنك: جهاز الاتصال في الباخرة المنكوبة محور معركة قانونية
هناك معركة قضائية جارية حول ما إذا كان يجب نبش رفات ضحايا الذين ربما لا يزال داخل حطام تايتنك لاستخراج جهاز الاتصال اللاسلكي منها، أو ترك السفينة قابعة في قاع المحيط في سلام.
ورغم أن السفينة غرقت منذ أكثر من 100 عام، لكن حطامها هو الأكثر شهرة بين السفن في كل العصور.
تدور الآن معركة جديدة حول ما إذا كان سيتم ترك رفات 1500 شخص تحت الماء، أو استعادة قطعة أثرية لعبت دوراً رئيسياً في المأساة.
ويدور الجدل حول الخطط التي أعلنتها شركة أمريكية استخرجت آلاف القطع من الباخرة القابعة في قاع المحيط الأطلسي.
وترغب شركة "آر إم إس تيتانيك" باستخراج جهاز التلغراف اللاسلكي "ماركوني" الذي بث نداءات الاستغاثة للسفينة الغارقة في الساعات الأولى من يوم 15 أبريل/نيسان 1912 ، والذي ساهم في إنقاذ حياة حوالي 700 شخص بواسطة قوارب النجاة.
لكن الحكومة الأمريكية تعارض الخطط، قائلة إن العملية ستنتهك القانون الفيدرالي ولا تحترم اتفاقاً دولياً ينص على اعتبار حطام الباخرة موقعاً تذكارياً.
غادرت تايتنك ساوثهامبتون، في انجلترا إلى نيويورك في 14 أبريل/نيسان 1912 ، عندما اصطدمت بجبل جليدي في الساعة 11.40 مساءً أثناء عبورها المحيط الأطلسي.
تسربت آلاف الأطنان من المياه إلى داخل السفينة من خلال الثقوب التي نتجت عن الاصطدام بالجبل الجليدي.
كان توماس أندروز، الرجل الذي صمّم السفينة، على متنها، وبعد إلقاء نظرة على الضرر الحاصل، أخبر القبطان أن السفينة ستغرق.
"نحن نغرق من المقدمة"
في الساعة 12.15 صباحاً، بدأت إشارات الاستغاثة تنطلق من نظام ماركوني الموجود في سفينة تايتنك، فهبَّ القائمون على أجهزة اللاسلكي في السفن والمحطات الأرضية لبث نداءات الاستغاثة من السفينة المنكوبة.
كانوا يستخدمون شفرة مورس - وهي سلسلة من النقاط والرموز المعترف بها دولياً والتي يتم إرسالها كصفير عبر أجهزة راديو تبث على الموجة القصيرة.
وأرسل جاك فيليبس برقية إلى سفينة كارباثيا يقول فيها: "تعالوا حالاً، لقد اصطدمنا بجبل" ، وبرقية أخرى إلى سفينة فرانكفورت الألمانية يقول فيها: "لقد اصطدمنا بجبل جليدي , ونغرق الآن من جهة المقدمة".
كان الارتباك سيد الموقف، فقد ردت سفينة تيتانيك على سفينة بعيدة على ما يبدو: "أيها الأحمق، انتظر هناك وابتعد".
يعتقد بعض المؤرخين أن السفينة المعنية كانت فرانكفورت وأنه كان هناك سوء فهم للرسائل بين السفينتين.
أرسل جاك فيليس برقيات عن سير عمليات الانقاذ وقال في إحداها: "نحن نضع النساء والأطفال في قوارب صغيرة لا يمكنها أن تدوم طويلاً، إنها تفقد القدرة".
وبرقية أخرى تقول: "هذه تايتنك.... غرفة المحرك تغرق".
استمر العمال بإرسال وتبادل البرقيات بينما بدأت قوارب النجاة بالنزول الى البحر، وبدأ الأزواج على السفينة يلوحون بأيديهم لزوجاتهم وأطفالهم لوداعهم إلى الأبد.
لم ينجُ جاك فيليبس من الكارثة، فقد مكث في حجرته بعد أن أعفاه القبطان من أداء واجبه، وظهرت بطولته بشكل بارز في قصص وروايات مأساة تيتانيك.
تسببت برقيات السفينة المتتالية بحالة من البلبلة الشديدة وعدم التصديق بين السفن الأخرى.
في الساعة 2.10 صباحاً، انقطعت الكهرباء عن سفينة الركاب الفاخرة وصمت جهاز ماركوني.
كانت مقدمة السفينة قد أصبحت تحت الماء تماماً ومؤخرتها في الهواء.
في حوالي الساعة 2.20 صباحاً، انشطرت السفينة إلى قسمين وبدأ الحطام بالهبوط إلى قاع المحيط الأطلسي.
وبعد أقل من ساعتين من الغرق ، وصلت السفينة كارباثيا إلى المنطقة وأنقذت 700 ناجٍ تمكنوا من ترك الباخرة المنكوبة باستخدام قوارب النجاة التي كانت تتسع لنحو نصف الأشخاص الذين كانوا موجودين فعلياً على متنها فقط.
وتشير التقديرات إلى أن 1500 من ركابها لقوا حتفهم في المياه المتجمدة.
"قبر"
تم العثور على حطام السفينة عام 1985 على بعد (740 كيلو متر) من نيوفاوندلاند في كندا.
ويقبع الحطام على عمق 4000 متر تحت سطح البحر في المكان المحدد الذي غرقت فيه منذ أكثر من قرن.
ومنذ عام 1987 ، استعادت شركة "آر إم إس تيتانيك" أكثر من 5500 قطعة أثرية، كالأواني الفضية الخزفية والعملات الذهبية ، كما نفذت ثماني بعثات استكشافية الى الحطام.
لكن في العام الماضي ، قام فريق دولي من مستكشفي أعماق البحار بمسح الحطام لأول مرة منذ ما يقرب من 15 عاماً، وأفاد أن بعضه يتآكل بسرعة.
وفي وقت سابق من هذا العام ، أعلنت شركة "إم آر إس"، عن خطتها لاستعادة جهاز الاتصال ماركوني باستخدام روبوت تحت الماء بحلول صيف عام 2021. وإثر ذلك تم رفع دعوى أمام المحاكم الأمريكية لمنع الشركة من القيام بذلك.
وكان قاضٍ قد سمح للشركة باستخراج جهاز اللاسلكي من السفينة قائلاً ، إن استعادته "سيساهم في الحفاظ على ذكرى مأساة السفينة التي لا تُمحى من الذاكرة وذكرى الذين ضحوا بحياتهم والذين نجوا بأرواحهم".
لكن المحامين الأمريكيين الفيدراليين يقولون إن الخطوة غير قانونية.
في العام الماضي، وقّعت كلا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة اتفاقية تمنح الحكومتين مزيداً من الصلاحيات لضمان الحفاظ على موقع الراحة الأبدية لأكثر من 1500 مسافر وطاقم و الحفاظ على حرمتهم.
جادل أحد مستشاري عمليات البحث عن الكنوز والمقتنيات في السفن الغارقة، أنه من غير المرجح أن يكون رفات الضحايا لا يزال داخل حطام السفينة.
لكن الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) ، التي تمثل الادعاء العام في القضية ، تقول إن الرحلة الاستكشافية تحمل معها مخاطر العبث برفات الضحايا الذين قد يكونون داخل هيكل تايتنك وأن "المساحات الداخلية لجسم السفينة، وخاصة في الجزء السليم من المقدمة، حتى لو غمرتها المياه أثناء عملية الغرق ، قد لا تكون معرضة لظروف التيار البحري خارج السفينة".
"هذه الأنواع من البيئات المعزولة تخلق حالة من الجمود حيث من المعروف أن الضغط الجوي الثابت ودرجات الحرارة المنخفضة وسكون المياه و قلة الأوكسجين في المياه تحافظ على المواد العضوية لعدة قرون".
وحذر بريتون هونشاك، رئيس شركة إم آر إس تايتنك، من أن الوقت ينفذ وقال مدافعاً عن البعثة المزمعة "لاستعادة هذا الجزء الرائع من التاريخ" مضيفاً أنه "رغم أن العديد من العناصر التي لا تزال موجودة داخل حطام تايتنك ومحيطها ستظل تقدم للأجيال القادمة فكرة عن حياة ركابها، إلا أن عنصراً واحداً فقط يروي قصة جميع الناجين".
"في نهاية المطاف، يظل جهاز البرقيات من طراز ماركوني بطلاً مجهولاً وبفضله عاشت أجيال لا حصر لها من الأسر والأشخاص الذين ظلوا على قيد الحياة فقط لأن الجهاز صرخ باكياً نيابة عن أسلافهم".