تقارير
حيدري إبراهيم.. حينما يهزم طفل الألغام ويزحف نحو النجاح
ثقيلة وموجعة تمضي أيام الناس في عدد من مناطق اليمن المُنهك بالحرب، والنازف كأطراف شبابه المبتورة، وأعمارهم الواقفة بنصف جسد في قلب الموت الذي يملأ جهات البلاد بسبب ألغام وأجسامٍ متفجرة زرعتها مليشيا في دروب اليمنيين وحولت حياتهم إلى مأتم كبير طيلة سبعة أعوام خلت.
صغار وكبار، الأرض والإنسان، وحتى الحيوانات، الكل مستهدف بفخاخ الموت المتفجر، فلم يقتصر خطر الألغام على فئة بعينها من المجتمع، فأضرارها ومآلاتها طالت كل شيء.
ويعد أطفال اليمن الأكثر تضررا من الألغام على امتداد المزارع والطرقات والأحياء السكنية والشواطئ، ممعنة في ارتكاب الجرائم والانتهاكات بحق الأطفال حارمة إياهم من حقهم في اللعب والمرح والتعليم، ومتسببة بوفاة الكثير منهم وإصابة البعض بحالات نفسية وإعاقات مستدامة جعلت من حياتهم شبه متوقفة.
وفي قرية السيمان بمديرية ذباب غربي اليمن، يعيش الطفل حيدري إبراهيم أحمد، البالغ من العمر 15 عاما، بنصف جسد بعد أن أخذت الألغام جل أطرافه ليكون بذلك واحدا من آلاف القصص والشواهد الحية للإرهاب الذي خلفته الميليشيات في الأراضي اليمنية.
وهنا يسرد الشباب حيدري إبراهيم قصته بوجع وألم يحاول أن يخفيه بعد أن قرر أن يتحدى الإعاقة حاملا في إحدى يديه الكتاب والأخرى القلم ويزحف بما تبقى من جسده باتجاه المدرسة لمواصلة تعليمه.
يروي حيدري حكايته لمكتب مسام الإعلامي بقوله “بينما كنت أمارس عملي في رعي الأغنام، في جبال قرية السيمان في ضواحي مديرية ذباب، حيث عادة ما أذهب ورفاقي في أوقات فراغي من المدرسة لرعي الأغنام، لأن هذا العمل يعد مصدر رزقنا، ففي قريتي لا يعيننا بعد الله شيء سواء هذه الأغنام، فهي مصدر عيشنا الأساسية وتربيتها والاهتمام بها مهمة جدا في بالنسبة لنا.
فالانقلاب وما خلفه من أحداث ومآسي ونزوح وتشرد غيرت مجرى حياتنا وتعرضنا بسببها لمختلف أنواع المعاناة، فلا يكاد يمر علينا يوم إلا وتسقط إحدى أغنامنا ضحية الألغام أو يسقط بعض ذوينا في فخ الألغام القاتلة لتستمر معاناتنا وخسائرنا، وطوال هذه الفترة كنت أعيش دور المراقب للألغام بعضها يبقى والباقي يهلك بسبب فخاخ الموت المتفجر، ولم أتخيل نفسي يوما من الأيام في مكان أحدهم”.
ثم واصل محدثا “في أحد صباحات قرية السيمان المؤلمة والحزينة، خرجتُ برفقة أغنامي إلى الجبال للرعي في مهمة اعتيادية أقوم به بشكل متقطع، فأنا أتناوب مع إخوتي على هذا العمل، وبينما أنا أرعي الأغنام وأتباعهم من مكاناً إلى آخر، ذهبت إحدى أغنامي إلى أعلى الجبل، فلحقتها لأعيدها إلى باقي القطيع، أمشي بخطوات خافتة وأتقصد بأن تكون كل خطواتي فوق الحجارة بحيث أضمن عدم انفجار أي لغم بي، وبينما أنا أصعد الجبل، وفي لحظة خاطفة دعست على شيء ماء ثم انفجر ليقذف بي بعيدا، شعرت بألم شديد وعدم السيطرة على الجزء السفلي من جسمي، كنت أسمع صوت صديقي الذي يبكي ويصرخ خائفا، وأصوات الرعيان الذين هرعوا إلى المكان على وقع صوت الانفجار، لكن لم يتجرأ أحد منهم على إسعافي خوفا من الألغام وجلست أنزف في مكان الانفجار حتى وصلت فرق نزع الألغام ليقوموا بانتشالي وقد فقدت الكثير من الدم، وجسمي لم يعد ملكي، ولم أعد أشعر به.
ثم استرسل حيدري إبراهيم سرد حكايته ومشاهد الموت والألم تعصف بذاكرته وبصوت حزين ممزوج بالألم قال “مكثت في المستشفى عده شهور لتلقي العلاج ثم خرجت منه أو لنقل خرج نصفي منه فقط، فقد فقدت إحدى أرجلي أثناء الانفجار، والأخرى تم بترها في المستشفى، خرجت من المشفى أجر معي اليأس والضعف، أفكر كيف سأدخل قريتي بنصف جسمي، وكيف سأتمكن من مواجهة قسوة الحياة التي لم أستطع مجابهتها وأنا بكامل جسدي”.
وهنا قال” واجهتني الكثير من الصعوبات بعد عودتي إلى القرية، فحركتي لم تعد كما كانت في السابق، اتنقل بكل صعوبة في القرية، معتمدا على يدي، شعرت بعدم الرغبة بالذهاب إلى المدرسة، فهي بعيدة عن منزلي أو لنقل من عشتي الصغيرة فأنا لا أملك منزلا، ويصعب على الذهاب إليها كل يوم، مشيا على الأيدي لا على الأقدام، قررت بأن أترك التعليم، والجلوس في البيت، لكن أمي دائما كانت تقول لي يا بني الله قد أخذ منك أرجلك ولكن أنعم عليك بعقل ذكي يستوعب كل شيء والتعليم سيوفر لك حياة أسهل ، فأنت لم تعد قادرا على حياة الرعي والأعمال الشاقة ، تعلم وإن شاء الله ستتوفق في أعمال تتماشى مع قدراتك الجسدية، وبتشجيع ودعم من أمي قررت مواصلة تعليمي، تجدد أملي وصرت أذهب كل يوم إلى المدرسة لتلقي العلم، وكل زملائي وأساتذتي يدعمونني ويتعاملون معي بشكل لطيف جدا.. وكل ما أتمناه الحصول على كرسي متحرك يساعدني على التنقل من وإلى المدرسة لمواصلة تعليمي وتحقيق حلمي الذي أصر على بلوغه بما تبقى من جسدي، كما اتمنى أن يقوم مشروع مسام بتطهير جبل السيمان كليا من الألغام، ليعود الأمن ويذهب المواطنين إلى مزارعهم بكل أمان”.