رياضة
كرة القدم.. وسيطة سلام على بساط أخضر
رسالة سلام
عندما تجتمع أطراف مختلفة التوجه في رياضة كرة القدم، ملقين كل ما على كاهلهم من انتماءات، جاعلين الكرة والمشاركة والمنافسة الشريفة نصب أعينهم، هم يسيرون في درب السلام؛ بناةً له دونما أن يشعروا، حتى في أصعب الظروف التي يعانون منها كشباب في بلدنا المليء بالنزاعات، وهذا ما يحدث مع محمد بارويس وصديقه أسامة مصطفى، اللذان يلعبان كرة القدم في نادي وحدة عدن الرياضي، فعندما وجهنا لهما سؤال كيف اتفقتما وكلاً منكما لديه ربما فكر سياسي مغاير عن الآخر، أجاب أسامة: محمد بارويس صديق وأخ فقد تعرفت عليه في الملعب حينما كنت مع فريق الناشئين وهو حينها كان في فريق الممتاز، بعدها تلقيت التدريب إلى أن انتقلت لفريق الممتاز، كانت بيننا علاقة أخوة وصداقة رغم أن لي انتماء مغاير لانتمائه، لكن كرة القدم هي من جعلتنا أصدقاء دونما أي نزاع أو خلاف، وبإذن الله سنظل هكذا حتى المشيب.
في السياق نفسه، يقول بارويس: “عشقي للرياضة وكرة القدم دفعني للالتحاق بالنادي (نادي وحدة عدن)، فهو الذي جمع بيني وبين أسامة، فقد تعرفنا على بعضنا في أرضية الملعب ومن عشقنا لكرة القدم، تناسينا أي انتماءات أو توجهات ينتمي إليها أي إنسان، وتوحدنا تحت سقف عشقنا لهذه اللعبة”.
قول أسامة في أثناء حديثه لمنصتي 30: “بصراحة أنا أعتبر الكرة أمي الثانية، هي أم السلام، هي الحياة بالنسبة لي، فقبل التحاقي بنادي الوحدة كنت أمارس كرة القدم في الحواري مثل كل الشباب، وكنت ألاحظ في كل فريق يوجد لاعبين يميل توجههم و مؤيدين للحكومة الشرعية ومنهم من يميل توجههم للمجلس الانتقالي الجنوبي، لكن عند لقائنا حول المستديرة كنا كلنا يداً واحدة، ليس فينا من يبحث عن انتماء الآخر، وعند دخولنا المستطيل الأخضر ننسى كل النزاعات، و إذا تعرض أحد منا للإصابة نقوم كلنا بنجدته، بينما إذا أحرز أحد منا هدف نجري للقفز باتجاهه بفرحة وحماس، وينتهي كل خلاف، لهذا هي الكرة مجنونة”.
ويضيف محمد بارويس: “الشعور الدائم الذي ينتابني عند ممارستي لكرة القدم هو الاستمتاع، أشعر بأنني أمارس شيء أحبه وأحاول إتقانه بشكل يومي، فلهذا أنا لا أنظر إلى الجوانب الحزبية أو السياسية، فأنا حزبي الرياضة وهي الهدف الذي يجمعنا في الملعب، ما بعدها كلٌّ له حياته، والرياضة تولد الشغف في نفس اللاعب، والشغف يولد الحب لكل ما حولها، فهي لعبة أخلاق اللاعب قبل تميزه، فهي رسالة سلام لكل الأطراف وجامعة لكل الأطياف المتنافسة في محض 90 دقيقة.
عطش رياضي (الكرة والحرب)
خمس سنوات تعيش فيها عدن أثار الدمار بعد حرب 2015م، هذا الدمار الذي طال كل شيء لم ينسَ أيضاً البنية التحتية الرياضية من منشآت كروية كملعب 22 مايو الدولي الذي تعرض للتدمير في مبناه ومدرجاته بحسب ما قاله أحد اللاعبين، و حيث بلغت تقريباً كلفة خسائره نحو عشرة مليارات ومائتي مليون ريال، بحسب ما ذكرت تقارير ، هذا الدمار أيضاً قد طال أسر اللاعبين وتقطعت عن البعض مصادر الدخل، لكن كل هذا لم يمنع عطش الشباب للعب ساحرتهم المستديرة حتى في أحلك الظروف وأثناء الحرب، فبينما كانت المعارك في عدن تدار من منطقة جعولة كان كثير من الشباب في مختلف الحواري يمارسون كرة القدم.
يقول الكابتن شرف محفوظ لمنصتي 30: “كرة القدم هي لغة سائدة بحد ذاتها، و على المستوى المحلي في اليمن لا أحد ينسى أننا عشنا ومازلنا نعيش أسوأ الظروف، لكن رغم كل هذا من الصعب أن نترك كرة القدم ونبتعد عن ممارستها، حتى في أثناء الحرب والقذائف والاحتلال. الشباب يبحث عن متنفس له وكانت كرة القدم اللعبة الأكثر شعبية، هي متنفسه المتاح بكل الطرق”.
حشود كبيرة وتوجهات مختلفة
يقول الكابتن خالد هيثم لموقع “منصتي 30: “تقدم كرة القدم والرياضة برمتها حديثاً ورسالة وحوار تتجلى في لغة السلام بين الشعوب حينما تظهر نعرات السياسة لتكون مساحة نزاع بين هذا وذاك. لكن تظل الرياضة بشغفها وما تصنعه جامعة بين المتخاصمين ومنتسبي الأزمات في ربوع العالم، ففي عدن وقبل شهر من الآن كانت المدينة الجميلة “كريتر” تقدم مشهداً جمالياً عبرت عنه ألوان الرياضة التي لا تعترف إلا بروح المحبة، وترفض النزعات والخيارات المؤدية للصراع المدمر الذي تتناسى فيه روح الإنسانية بين الشعوب التي خلقت لتكون متحابة بالفطرة؛ كان ملعب “الحبيشي” يجمع الأطراف المختلفة بسبب السياسية ونهجها، كانت ترسم ملامح شكل وهوية رياضة استطاعت أن تجمع الأطياف في مدرجات الملعب التاريخي، تناسى الكل الخصومة وكانت كرة القدم تقارب بين الجميع في لوحة مشتركة، استثنت تفاصيل الحزبية و تخلت عن كراهيتها؛ لتكون مساحة و وئام وتقارب بين أفكار اختلفت في السياسة وتجمعت في شغف الرياضة التي تجمع ولا تفرق”.
منصتي ٣٠