تقارير
غياب الدعم النفسي للصحفيين في اليمن.. أسباب ونصائح
أيام الحرب والأزمات تغدو الصحافة عملاً مضنٍ عاطفياً، ويصبح على الصحافي/ة معايشة مشاعر الخوف، والغضب، والألم، وكل ما يمكن أن تمر به الضحية، ببساطة يتحول العاملون، إناثاً وذكوراً، في هذا المجال إلى وسيلة لعبور مشاعر الضحايا إلى الجمهور، فضلاً عن ذلك، قد يكونون هم أنفسهم ضحايا .
تقول “أن تكتب خبراً، أو قصة، أو تحقيق فأنت صحفي، ولكن عند معايشة الأحداث أو النزول لتغطية الحدث، والتحدث مع الضحايا، والأسر التي تأثرت، وخوض غمار التجربة للحصول على المعلومات بشكل مستمر فأنت تتعامل مع أبعاد أخرى قد لا تكون صحفية، نعم لدي كل أعراض الإرهاق، لأنني أمارس الصحافة، لكن أشعر أن الصحافة جزء من حياتي، ولا أستطيع أن أتخيل نفسي أفعل أي شيء آخر” .س. ا (صحفية)
بدأت في مرحلة ما بالشعور بخوف عميق وعجز ورعب، وغضب وعدم اتزان، كما أنني، دون أن أدرك السبب، كنت دائماً في حالة من التشتت الذهني، لدرجة أن حياتي تغيّرت، وعندما شاركت في برنامج دعم نفسي نفذته الجامعة الأمريكية ببيروت وشبكة دعم الإعلام الدولي للصحافيين في المناطق المغلقة، اكتشفت أن ما أمر به هو ما يسمى عملياً بـ(ما بعد الصدمة) أو التروما، وهو (اضطراب القلق المرهق الذي يحدث نتيجة التعرض لعدد من الصدمات المتعاقبة)، لقد ساعدتني الجلسات كثيراً في تخفيف ذلك الاضطراب” عبد الملك (صحفي) .
هناك الكثير يتحدثون عن الاضطرابات النفسية التي يتعرض لها النازحون واللاجئون، ولكن القليل يتحدث عن الوضع النفسي لأولئك الصحفيين الذين ينقلون هذا الكمّ الهائل من الأخبار، ويتعرضون بشكل مستمر لضغط نفسي كبير من جراء عملهم .
الصحفيون هم الأكثر عرضة للصدمات النفسية
“يتعرض الصحفيون في اليمن على مدى السنوات السبع الماضية، لضغوط هائلة وخصوصاً عند التعامل مع الأخبار اليومية المليئة بالنكبات، والأرقام المفجعة لضحايا الحرب الأبرياء وبالأخص عند تغطيتهم لأخبار مدنهم وأقاربهم وبلداتهم، ليكون الشيء الأصعب في التعامل مع هذه الأخبار هو التحدث عنها” رئيس مؤسسة وجوه الإعلام، منصور الجرادي .
ويقول عماد السقاف المسؤول الإداري لنقابة الصحفيين بتعز “إن نتائج عدد من المجموعات والنقاشات البؤرية والتقييمات الميدانية أظهرت أن أكثر من 80% من الصحفيين والصحفيات الذين تم استهدافهم يعانون من اضطرابات نفسية” مؤكداً أن “العاملين في مجال الإعلام هم من أكثر الفئات تعرضاً للصدمات والمشاكل النفسية خاصة أثناء تغطية الأحداث الدامية، ونقل هموم ومشاكل المجتمع والمآسي والقصص الإنسانية اليومية التي تتنامى مع استمرار الحرب .
بالإضافة إلى ذلك يواجه الصحفيون اليمنيون عدداً من أشكال العنف منها :
قمع الحريات .
الاعتقال والضرب .
العنف الاقتصادي من خلال استهداف وإيقاف المؤسسات والوسائل الإعلامية وتشريدهم وأسرهم بالإضافة إلى أن العمل الصحفي أصبح محتكراً لدى الدخلاء على المهنة والذين يعملون لصالح طرفي النزاع، وتكوّن لدى كثير من الصحفيين حاجز نفسي يصدهم من العودة لممارسة مهنة الصحافة .
ومؤخراً لايستطيع الصحفيون الذين ترتكز مهامهم الأساسية على الأرض وبين الناس، مثل المراسلين والمصورين، ملازمة منازلهم ويخرجون من أجل ملاحقة آخر التطورات والمستجدّات المتعلقة بـ”كوفيد 19″، ما يسبب لهم ضغوطاً نفسيّة مثل :
الخوف من انتقال العدوى إليهم .
التفكير بذويهم وأطفالهم وما إذا كانوا يعرّضون أنفسهم للخطر وينقلون التهديد الصحي لعائلاتهم .
أهمية الدعم النفسي للصحافيين
يواجه الصحفيون مهمة معقدة، عند تغطية الأزمات والفواجع والكوارث وإجراء اللقاءات مع المتضررين، تتمثل في عدم التسبب في أذى إضافي للضحايا مع الاهتمام بسلامتهم العقلية في نفس الوقت .ويشير اختصاصيون نفسيون إلى أن الصحفيين ملزمون بعدم إعادة الصدمة النفسية للضحايا الذين يجرون مقابلات معهم، وهذا يتطلب اعتناءهم براحتهم النفسية عند تغطية القصص المؤلمة، لكن في حالة اليمن، العديد من الصحفيين هم أنفسهم ضحايا للحرب إما مادياً أو معنوياً بسبب ارتباطهم النفسي ببلدهم .
ويخاطر الصحفي بأن يتعرض للأذى النفسي في ثلاث مراحل مختلفة من عمله
أولاً: كشاهد أو مشارك في الحدث.
ثانياً: عند التواصل وإظهار التعاطف مع الضحايا.
ثالثاً: بسرد حكاياتهم، بالسماح لتجاربهم أن تمر من المراسل إلى الجمهور.
وقال المدير التنفيذي لمركز الإعلام الاقتصادي في تعز محمد إسماعيل: “قد لا يدرك الصحفيون في بعض الأحيان حاجتهم لمساعدة خبراء نفسيين، وذلك ربما يعود لخطأ تحديد معيار الحاجة، إذ يصور الكثيرون أن الحاجة لدعم نفسي ليست إلا لشخص وصل مراحل متقدمة من الاضطرابات النفسية. لكن في الواقع أغلب الصحفيين لا سيما الذين ساهموا في تغطية أحداث مؤلمة أو قابلوا ضحاياهم بحاجة لدعم نفسي .وأكد أن “إخضاع الصحفيين لجلسات دعم نفسي من وقت إلى آخر تصبح ضرورية لمساعدتهم في تجاوز مخلفات المشاهد والمواقف الصعبة التي يتعرضون لها أثناء عملهم ".
وأضاف عماد السقاف أن “برامج وأنشطة الدعم النفسي الاجتماعي للصحفيين هامة وضرورية للغاية من أجل تحسين حالتهم النفسية ليتمكنوا من من أداء دورهم في تعزيز الأمن والاستقرار وبناء السلام ".
أسباب غياب الدعم النفسي للصحافيين/ات
يقول محمد إسماعيل، المدير التنفيذي لمركز الإعلام الاقتصادي: “قمنا بالسابق بالتعاون في تدريب مجموعات صغيرة من الصحفيين ربما لا يتجاوز 20 صحفياً وصحفية في مجال الدعم النفسي، لكننا نخطط لاستهداف أعداد كبيرة وبصورة أوسع خلال المرحلة المقبلة “
وقال عماد السقاف: “للأسف لم تتبنى النقابة أي أنشطة أو برامج في مجال الدعم النفسي خلال هذه المرحلة ولكننا قمنا بإعداد مشروع متكامل حول الدعم النفسي الاجتماعي للصحفيين وتم تقديمه لإحدى المنظمات ولمسنا منها تفاعل ".
وأعاد السقاف أسباب تغييب برامج الدعم النفسي للصحفيين والصحفيات إلى
تركيز المنظمات الدولية على استهداف النساء والأطفال نظراً لغياب المعلومات الناتجة عن دراسات ميدانية تكشف حجم الضرر والأذى النفسي الذي يعيشه الصحفيون اليمنيون .
عدم حصول برامج وأنشطة الدعم النفسي على أي تفاعل من قبل الصحفيين بصفتهم المستفيدين ولن تحقق أي أثر حقيقي مالم ترافقها برامج استجابة إنسانية وتوفير خدمات تلبي حاجاتهم الأساسية والضرورية ..
الصحفيون الذين يعيشون بلا رواتب ويعجزون عن توفير الغذاء والدواء، ويواجه الكثير منهم التهديد اليومي بالطرد القسري من السكن لن تسهم برامج الدعم النفسي الاجتماعي في تحسين نفسيتهم بينما المشكلة المتسببة ماتزال قائمة.
قلة تواجد الأطباء النفسانيين اليمنيين والمتخصصين في العمل مع الصحفيين وفِي بعض الحالات تعود للإمكانات.
واقترح السقاف إزاء ذلك تبني برامج إدارة الحالة للصحفيين الأشد ضعفاً وتوفير بدل الإيجار وعلاجات الأمراض المزمنة ودعمهم وأسرهم بمشاريع سبل العيش المستدام والتمكين الاقتصادي إلى جانب برامج الدعم النفسي.
استراتيجيات وأنشطة للاعتناء بالسلامة العقلية
يُعد مركز “دارت” أحد الهيئات العالمية الرائدة في مجال الصحافة والتعامل مع الصدمات، وخلال الدورة الحادية عشرة من مؤتمر الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية، ناقشت مديرة مركز “دارت” بآسيا والمحيط الهادئ، كايت مكماهون، مسألة الأزمات النفسية المُحتمل أن يواجهها الصحفيون الاستقصائيون في عملهم، ووسائل الحد منها. وقد تحدثت الشبكة العالمية للصحافة الاستقصائية، مع السيدة مكماهون وبروس شابيرو”، المدير التنفيذي لمركز “دارت”، عن نفعية استخدام توجيهاتهم المعنية بتغطية الصدمات مع وباء كورونا المستجد الذي يواجهه العالم حالياً .
وينصح كل من مكماهون وشابيرو الصحفيين بتبني الاستراتيجيات التالية من أجل الاعتناء بسلامتهم العقلية؛ قبل وأثناء وبعد مواجهة قصص مأساوية، بما في ذلك تغطية وباء كوفيد- 19
كما يعتبران أن “واحدة من الطرق الصحية لمعالجة الإرهاق هي التحدث عن التجارب الشخصية ومشاركتها مع المجتمع الصحفي، عن طريق إعداد جلسات للنقاش وإنشاء ورشات عمل للصحفيين عن كيفية تغطية القصص الإنسانية التي تسببت بأزمات لأصحابها، يقوم من خلالها الصحفيون بالتحدث عن تجاربهم وعن الخوف والذنب الذي يشعرون به، ثم يقومون بالعناق والبكاء كنوع من تخفيف الضغط النفسي " .