عالم المرأة
اليمن... تصاعد وتيرة العنف القائم على النوع الاجتماعي
تشهد اليمن نزاعات مسلحة مستمرة ومتجددة تمضي في عامها السابع، جعلت النساء والأطفال حاملي العبء الثقيل منها حتى في المناطق التي لا تشهد نزاعات ومواجهات مسلحة نتيجة تصاعد وتيرة العنف القائم على النوع الاجتماعي.
دشنت الإدارات المعنية بشؤون المرأة والطفل في مختلف الوزارات الحكومية والمؤسسات المدنية الفاعلة في مجال حقوق الإنسان والداعمة لقضايا المرأة فعاليتها وأصدرت بياناتها للمشاركة بحملة 16 يوم لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي والتي انطلقت في 25 تشرين الثاني/نوفمبر وستستمر حتى 10 كانون الأول/ديسمبر.
أثر النزاعات على العنف ضد النساء
منذ اندلاع الحرب في 26 آذار/مارس 2015، ارتكبت جميع أطراف النزاع في اليمن انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فقد أشار تقرير الظل لتحالف المنظمات الغير حكومية إلى أنه بلغ إجمالي عدد القتلى والجرحى بحدود ربع مليون شخص منهم 20 ألف مدني بينهم نساء وأطفال نتيجة القصف والقنص وزراعة الألغام وانهيار منظومة الصحة، وانتشار الأمراض.
وتشير إحصائيات صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى سقوط (112000) ألف قتيل وجريح نتيجة المواجهات المسلحة بشكل مباشر، قتل من المدنيين (7825) منهم (933) امرأة و(1395) مصابة جراء النزاع، كما أشارت تقارير حقوقية إلى أن العنف ضد المرأة زاد بنسبة 63% في اليمن.
وشهدت اليمن خلال السنوات الأخيرة جرائم قتل جسيمة ضحاياها النساء، دون آليات محاسبة ودون عقاب رادع، وقالت رئيسة مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم المرأة والطفل الدكتورة انجيلا المعمري "لابد من الإشارة إلى ارتفاع مستوى العنف بين أوساط النساء من البيئة المحيطة بهن نتيجة الحرب وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي أثرت على مستوى التماسك الاجتماعي والنفسي، واستدعى العنف الكامن بالأعماق، وفي أحياناً كثيرة يكون نتيجة تعرض الشخص نفسه لعنف سابق، ويخرجه على الضحية الأضعف متى ما رأى الفرصة مناسبة لذلك".
وأضافت "هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي تشير إلى ارتفاع نسبة العنف والانتهاكات في أوقات النزاعات والصراعات وهذا ما التمسناه من خلال قضايا القتل العمد والتعذيب الجسدي والنفسي التي تصاعدت بحق النساء اليمنيات".
وقالت "يعد ختان الفتيات وتشويه أعضائهن التناسلية إحدى صور العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي عاد للواجهة بسبب الصراع المسلح، وغياب التوعية والدولة وفاعليتها في كبح هذا العنف، ووفق آخر إحصائية رسمية تم نشرها عام 2013، أظهرت الأبحاث أن 19% من جميع النساء والفتيات في مختلف المحافظات اليمنية قد تعرضن لشكل من أشكال تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، حيث أن اليمن تعد من الدول التي لا تملك قانون صريح يجرم ختان الإناث حتى اللحظة فكل المحاولات الحقوقية الماضية تجسدت على شكل مشروع قانون أصبح معلقاً وعلى هامش النزاع الجاري".
حملات مناهضة للعنف
دشنت الإدارات المعنية بشؤون المرأة والطفل في مختلف الوزارات الحكومية والمؤسسات المدنية الفاعلة في مجال حقوق الإنسان والداعمة لقضايا المرأة فعاليتها وأصدرت بياناتها للمشاركة بحملة 16 يوم لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وقالت المدير التنفيذي لمؤسسة أكون للحقوق والحريات ليلى الشبيبي "يجب نشر التوعية ودعم الحملات المناهضة للعنف الممنهج ضد النساء، وقد بدأ التوقيت العالمي لحملة 16 يوم لمناهضة العنف القائم على العنف الاجتماعي والتي تتميز بلونها البرتقالي وشعاراتها المتجددة ورمزها المتمثل بـ (كف اليد) الذي يعكس معنى الرفض للعنف على مستوى عالمي ولكن هذا الكف مألوف لدى اليمنيات المعنفات اللاتي كانت أوجه كفوفهن مفرودة في وجه القتلة والمعنفين لهن على أمل أن تخفف من شدة الألم الناتج عن الضرب أو حتى من سرعة الرصاصة الموجهة إليهن، هذا الكف المفرود كان وسيلة الدفاع الأخيرة حين حاولت الضحية المقتولة خنقاً أن تزيح خانقها على أمل النجاة، وهي نفس الكفوف التي تحسست أجسادهن المشتعلة عندما أضرمت النيران بأجسادهن أثر خلاف أسري صغير، ونفس الكفوف التي توسلت مراراً وتكراراً للجهات التي تحتجز النساء حتى يطلق سراحهن، ونفس الكفوف التي غطت وجهها عندما حاول معنفهن رمي مادة الاسيد الحارق على وجوههن، فخلال عام رصدنا عشرات الانتهاكات الجسيمة من قتل وتعذيب وتشهير واعتقالات خارجة عن القانون كل هذا ضد النساء".
وأضافت ليلى الشبيبي "أن هذه الحملة وغيرها من الحملات التي تناهض العنف ربما لا تحقق كل ما نريد ولكنها ستشعر النساء أن ثمة من يهتم لأمرهن، وأن هناك من يسعى لرفع هذا الظلم والعنف المتزايد بحقهن".
وأكدت بأنه "يتم تعنيف النساء من قبل كل الأطراف بشكل أو بآخر فمن لم تمت بالقصف والاشتباكات في مناطق النزاعات، ماتت من الجوع والخوف وانقطاع المرتبات، ومن لم تمت بسجون الحوثي جراء الأحكام الجائرة والظالمة التي تنال من النساء، ماتت من عنف زوجها الذي لا يستطيع الانتقام من مرارة الحياة والحرب والانهيار الاقتصادي إلا بطريقة التعنيف والإيذاء بحقها كونها الحلقة الأضعف في المنزل".
آليات حماية النساء
وعن مهامهن في مساعدة النساء، قالت مدير عام الإدارة العامة لحماية الأسرة في وزارة الداخلية (الشرطة النسائية) العميد عليا صالح "نحن حريصات على تقديم العون الكبير لكل النساء اللاتي يصلن إلى مراكز الشرطة لتقديم شكاويهن ضد ما يواجهنه من عنف قائم على النوع الاجتماعي ونتخذ كافة الإجراءات القانونية لإنصافهن ودعمهن، ونعمل مع الشركاء من منظمات المجتمع المدني على إرشاد النساء للجهات التي تساهم في تقديم الدعم النفسي والعون القانوني لهؤلاء النساء"
وأضافت "قد وجهت الشرطة النسائية في كافة الفروع في إدارات شرطة المحافظات وحتى الأقسام على مستوى المديريات على الاهتمام بما يخدم النساء المعنفات اللاتي يلجأن إلى الأمن للخلاص من العنف والانتهاكات الواقعة عليهن، فنحن نأدي مهامنا ومتواجدون في كل الاشهر ولا ننشط فقط في وقت الحملات المعنية بالعنف القائم على النوع الاجتماعي".
وأشار تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان أن أشد أنواع العنف هو العنف العائلي بحق النساء والذي يكون ناجم من أفراد الأسرة سواء كان من الزوج أو الأخوة أو حتى من قبل المقربين، وهناك ارتفاعاً مستمراً في معدلات الناجيات اللواتي يصلن إلى خدمات مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي حيث بلغ معدل الارتفاع 70% في بعض المحافظات رغم صعوبة التواصل وحساسية الاعتراف بالعنف والإبلاغ عنه بسبب العادات والتقاليد اليمنية.
وترى مدير المشاريع في اتحاد نساء اليمن سمارة عراسي أن الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي هي من الأولويات التي يجب العمل عليها، إضافة الى اتخاذ التدابير اللازمة واحترام وتطبيق جميع مبادئ الحماية من الاستغلال والاعتداء الجنسي أو التحرش الجنسي.
وقالت سمارة العراسي "يجب أن تكون الحماية من دون تمييز والعمل بالمساواة للجنسين وذلك من أجل الحصول على الحقوق الإنسانية والتمتع بحرية الوصول والمشاركة، والسلامة لجميع الأشخاص المتضررين من الكوارث والأزمات والنزاعات، والقصد من الحماية التصدي للعنف والحفاظ على سلامة الناس من الأذى، ومن الضروري فهم الاحتياجات والمخاطر والقدرات المختلفة للناس".
وأضافت "يجب ألا نتوقف عند حد حماية النساء الناجيات من العنف بل يتوجب علينا جميعاً العمل بشكل فعّال لإشراكهن وتقديم برامج ومشاريع تساعدهن على تحسين حياتهن من خلال دعمهن من الجانب النفسي والصحي والقانوني وتمكينهن اقتصادياً من خلال اشراكهن بدورات تدريبية تساعدهن على الاعتماد على ذاتهن وتحسين مستواهن المعيشي من خلال الحرف اليدوية التي تقدم من خلال مشاريع سبل العيش؛ لتساعدهن على تحسين الدخل وتجعلهن قادرات على العيش بكرامة".
وعن آلية الحماية المتاحة حالياً للنساء المعنفات قالت "واجهنا الكثير من الصعوبات فقد تضررت مباني الاتحاد في عدد من المحافظات وأثرت النزاعات في تضاعف الحالات التي تصل الينا، وأكثر القضايا لفتيات صغيرات تزوجن بسبب الظروف الاقتصادية العصيبة التي تمر بها البلاد، فآلية الحماية في بلادنا هي إنشاء دور إيواء في بعض المحافظات، حيث توجد دار إيواء في العاصمة المؤقتة عدن في مقر اتحاد نساء اليمن تأوي المعنفات والناجيات من العنف كما نعمل على تدريبهن وتمكينهن اقتصادياً من خلال الدورات التدريبية اللاتي تعلمهن حرف يدوية وصناعات غذائية مما يجعلهن قادرات على تحسين مستواهن المعيشي وضمان تحسين دخلهن بعد خروجهن من الدار ويضمن العيش بكرامة".