من أسباب تدني مستوى التعليم الجامعي العربي:

غياب التمييز بين المحاضرة والدروس الموجهة والتطبيقية

 

في عقدي السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي أنجزت دراساتي الجامعية والعليا في جامعتي بوردو والسوربون بفرنسا، وذلك بنظام تعليمي فعّال جدا، وتمّ تبنّيه في معظم الجامعات العربية في شمال إفريقيا، ويعتمد أساسا على قليلٍ من المحاضرات (CM)، وكثيرٍ من الأعمال الموجهة (TD) في كليات العلوم الإنسانية التطبيقية، أو من الأعمال التطبيقية (TP) في الكليات العلمية، وذلك بدءاً من المستوى الأول من في مرحلة الدراسات الجامعية.

بالنسبة للمحاضرات يتولَّى تقديمها، في المدرجات - أمام حشد من الطلية يتراوح عددهم بين 200 و400 طالبا- أستاذ محاضر (عادة عجوز) يحمل لقبا عاليا وخبرة طويلة، ويكون مسؤولا على المساق أمام مختلف الإدارات، ويقوم هو بوضع الامتحان النهائي فيه. وعادةً ما يكون عدد المحاضرات النظرية المنهجية محدودا ولا يزيد عن سبع محاضرات للمساق، يتم خلالها إعطاء مقدمة عامة للمساق وتحديد أهدافه ومحتوياته، وتوجيه الطالب لقراءة عدد كبير من المصادر والمراجع مرتبطة بموضوع المساق.

أما في دروس الأعمال التطبيقية TP))، المقررة في الكليات العلمية فيقسّم الطلبة إلى مجموعات صغيرة بين 15-25 كحد أقصى، ويُكلّف الأساتذة المساعدون والمدرسون والمعيدون بالإشراف على تدريب الطلبة وإكسابهم المهارات العلمية والعملية من خلال إجراء التجارب في المختبرات والمستشفيات وتنفيذ بعض الأبحاث والتقارير وتصحيحها.

ويقابل دروس الأعمال التطبيقية في كليات العلوم الإنسانية دروس الأعمال الموجهة (TD) الشبيهة بما نسميه السيمينارات، وفيها يُشعّب الطلبة إلى مجموعات صغيرة كذلك، ويكلفون بتقديم، شفوي وتحريري- لعدد من البحوث والقراءات النقدية للنصوص والمراجع التي حددها الأستاذ المحاضر.

وفي الدروس التطبيقية والموجهة يقوم الأساتذة المساعدون والمدرسون والمعيدون بتقييم الطلبة، ويدخل في التقييم: مستوى حضورهم ومشاركتهم في النقاش وتنفيذهم للواجبات.

وهناك طبعا امتحان نهائي لكل مساق يبدأ بشقٍ تحريري. والطالب الذي يتحصل على الأقل على 8 درجات من عشرين يستطيع التقدم للشق الثاني الشفوي الذي يتم أمام لجنة مكونة من لا يقل عن اثنين من الأساتذة المساعدين الذين شاركوا في الدروس التطبيقية والموجهة والذين درسوا المجموعات غير التي درس فيها الطالب. لهذا كنّا نحرص على الالتحاق بمجموعات المدرسين الصعبين والشرسين لأجل نتجنبهم في الامتحان الشفوي.

وفي اعتقادي أن من أهم أسباب تدني مستوى مخرجات جامعاتنا اليوم: غياب التمييز بين المحاضرات النظرية المنهجية وبين الدروس التطبيقية والموجهة، لاسيما في كليات العلوم الإنسانية، التي يغيب فيها التشعيب أو تقسيم الطلية إلى شعب حتى إن تجاوز عددهم في بعض الأقسام 150 طالبا في المستوى. كما أن معظم الخطط الدراسية في أقسام تلك الكليات لم تعد تحرص على تخصيص ساعات للتدريس العملي.

إضافة إلى ذلك، هناك عدد كبير من الدكاترة يعدون أنفسهم محاضرين بمجرد تعيينهم في الجامعة، ويكتفون بتقديم ما لديهم من معارف على الطلبة حتى في مجالات وتخصصات تحتاج في المقام الأول إلى التدريب والممارسة مثلما هو الحال في أقسام اللغات العربية والأجنبية. هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك طلبة لا يترددون في نقد المدرس الذي يحاول أن يكلفهم بإعداد بحوث وقراءات ويلزمهم بتقديمها شفهيا ويكتفي بالتوجيه والإشراف.

وأخيرا لا تزال الامتحانات عندنا تعتمد كليا على الشق التحريري، حتى في أقسام اللغات والحقوق الإذاعة والتلفزيون التي يمكن أن يتخرج الطالب منها بمعدل ممتاز حتى إن كان من فئة الصم البكم.