أمل عياش تكتب.. "سطور في ذكرى رحيل الملك ماستر حمود"
كان ياماكان .. كان لنا وطن سبق غيره من البلدان المجاورة في السير على درب الحضارة الحديثة، وقطع شوطاً، تجاوز من خلاله الكثير من الدول التي اصبح لها اليوم شأن في خارطة العالم الحديث.
حدث ذلك في الماضي القريب جداً، عندما كان له أبناء مخلصون .. عندما كنا رواداً في الفكر والأدب والثقافة والفن .. أسماء وشخصيات عدنية كبيرة ذاع صيتها في اليمن وشبه الجزيرة العربية وشرق آسيا .
أعلام يمنية أدركت باكراً بأن الوعي والثقافة ودحر الجهل هو الطريق السليم لنقل الشعب إلى مربع التقدم وصناعة المجد، فعملوا على نقل التجارب العالمية الناجحة إلى بلادهم وادخلوها من بوابة الثقافة لتحدث التغيير المجتمعي المنشود.
وقد مثلت مدينة عدن المنارة التي اضاءت ليل باقي المحافظات ، لكن مع الاسف، خفت نورها برحيل مبدعيها ومثقفيها وعودة جحافل الجهل على ظهور سفينة السياسة المشوهة والتي أساءت لكل شيء، بما فيها الثقافة.
وهنا سنستعرض سيرة واحد من أعلام عدن واليمن ، إنه طه ماستر حمود، الرجل الذي أدرك باكراً دور الفن السينمائي في رفع مستوى الوعي عند المجتمع؛ فسخّر حياته لخدمة بلده، من خلال هذا الفن؛ فسار على خطى رائد السينما في اليمن والجزيرة العربية والخليج العربي، والده ماستر حمود حسن علي الهاشمي.
وعلى يدي والده شهدت مدينة عدن، مطلع ثلاثينيات القرن الماضي، أول عرض سينمائي "فيلم صامت" وكان ذلك في (حافة) القطيع في (كريتر). شغف طه ماستر حمود بهذا الفن، دفعه سريعاً للتوسع في نقل المعرفة؛ فنقل تجربة العرض الأول إلى عدة مناطق في عدن، الشيخ عثمان، التواهي، المعلا .
ولأن تحقيق النجاح يجعلك أكثر ضمأً للمزيد منه. بنى ماستر حمود علاقات متميزة مع شركات الانتاج السينمائي ودور العرض الاقليمية والعالمية ونجح في جعل دور العرض السينمائي في عدن، تعرض الافلام الجديدة، بالتزامن مع عرضها الأول، في بلد انتاجها، بل في نفس اليوم.
وبالمناسبة؛ فإن إطلاق لقب "ماستر" يعني الاستاذ الكبير ، وقد اطلق على والده الذي عندما كان يعمل معلماً ومترجماً في وزارة المعارف، وسرعان ما اصبح هذا الاسم يتردد في وسائل الاعلام العربية وفي الوسط الفني الاقليمي وبين الفنانين والمنتجين العرب، وقد لقب بـ ملك السينما، لأنه كان الشخص الوحيد في تلك الفترة الذي يمتلك أربع دور عرض سينمائي في عدن وعلى مستوى الجزيرة العربية وشرق افريقيا.
وضع طه ماستر حمود اليمن في مقدمة دول المنطقة في النشاط السينمائي، ليستضيف العديد من الفنانيين العرب لحضور افتتاح العروض السينمائية في عدن، أمثال فريد الاطرش وإيمان وشكوكو محرم فؤاد والنجوم الهنود امثال نسيم بانو،الشيخ مختار ،وغيرهم .
وفي يوم ما .. وبينما كان طه ماستر حمود متواجدا في لندن لتوقيع عقود جلب أفلام سينمائية جديدة، اغلقت دور العرض السينمائي في عدن، وتعرض هذا الفن لنكسة كبيرة بسبب التأميم.
لم تكن السينما نشاط طه ماستر حمود الوحيد ، فالثقافة والفن والمعرفة كيان واحد ولذلك كان المطربون اليمنيون يجدون ماستر حمود بجانبهم في كل وقت ، وقد قام بانتاج العديد من الاسطوانات الغنائية لفنانين يمنيين من الرعيل الأول في عدن أمثال إبراهيم الماس ،عمر غابة، أحمد عبيد القعطبي ، تحث اسم " طه فون" وأمتلك كافة حقوقها الأدبية ..وكان يقوم بانتاجها في لندن.
دارت الايام وعاد الى اليمن ، وموخرا تم إعادة جميع دور السينما لصاحبها ، الذي طلب ان تظل مفتوحة لتعرض بها احدث الأفلام كما كانت بالسابق منارة لنشر الثقافة والوعي، وتخليداً لرائد السينما وشاهداً على كل تلك الذكريات الجميلة والتاريخ المزهر بحبه وتقديره للفن والفنانيين، في الوقت الذي انقرضت فيه دور السينما في اليمن.
لقد آمن طه ماستر حمود بأن بناء المجتمعات يجب أن يشمل جميع القطاعات ولذلك فقد حصص جزء من وقته للحركة الرياضية والانشطة الشبابية، فترأس نادي الحسيني سابقا ثلاث مرات .. وكان يقوم بابتعاث الكثير من الطلاب للدراسة في الخارج .
.
طه ماستر حمود الذي ولد في عدن 24/ 11/ 1920 لديه من الابناء ستة "اربعة اولاد وبنتان"، توفي صباح يوم الجمعة 20/ 6/ 2009 في لندن، بعد أن لعب دوراً بارزاً في تطوير الحركة الثقافية واترائها إلى جانب المنتديات والاندية والإصدارات الصحفية .. رحل السينما وترك اثراً ثقافياً كبيراً، ستستفيد منه الاجيال القادمة حتما ، فعدن لن تظل رهينة لسافكي الدماء وتجار الحروب وأرباب الجهل والظلام.
يوما ما ستعود عدن لموقعها الحقيقي ، منارة للعلم والمعرفة والثقافة والتنوير مثلما ارادها الأب ماستر حمود وأولاده من بعده.