ظروف تجبر النساء على العمل بأجور يرفضها الرجال
تُعد فجوة الأجور بين الرجال والنساء في القطاع الخاص من التحديات التي تواجه النساء في اليمن، حيث تضطر المرأة للعمل بأجور متدنية مقارنةً بالرجال لعدة أسباب، منها الحاجة المادية التي تدفع النساء لقبول وظائف ذات أجور منخفضة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. وقد أدى ذلك إلى استغلالهن من قبل القطاع الخاص، وعدم مساواتهن بأجور الرجال.
تعمل سمية (اسم مستعار)، 30 عامًا، خريجة بكالوريوس لغة إنجليزية بإحدى المدارس الخاصة بمديرية الشمايتين بمحافظة تعز، وتسرد لنا قصتها قائلة: "نحن المعلمات في المدرسة دوامنا من الساعة الثامنة صباحًا إلى الواحدة بعد الظهر، نعمل ونتعب بشكل مكثف، مثل الإشراف على الطابور والراحة والحافلات، وراتبنا 38 ألف ريال، بينما الموظفون الذكور يداومون وقت الحصص فقط، وفي نهاية الشهر يستلمون أكثر من ضعف راتبنا، كما يُسمح لهم بالعمل في أماكن أخرى".
تضيف: "إذا تأخرنا أو أصبنا بمرض طارئ يتم شطب أسمائنا، على عكس الذكور. لا يوجد عدل أو مساواة رغم عملنا بتفانٍ وإخلاص، ولا يوجد مراعاة للمعلمات، بل نتعرض لعدم الاحترام من قبل المعلمين الذكور". وتعتقد أن أهم أسباب الظلم الذي تتعرض له المعلمات هو التسلط الذكوري، بالإضافة إلى عدم وجود عمل أو مصدر دخل آخر، ما يجبرهن على السكوت عن الظلم.
ليست سمية وحدها من تعمل بأجر زهيد، فياسمين (اسم مستعار)، 20 عامًا، خريجة ثانوية عامة، تعمل في إحدى محلات الملابس التجارية بالشمايتين. تقول: "بسبب الظروف الصعبة وعدم وجود معيل لأسرتي، بحثت عن عمل ووجدت وظيفة في إحدى المحلات التجارية. أتقاضى يوميًا 2000 ريال في الأيام العادية، بينما يتقاضى الرجال 5000 ريال في اليوم، وفي مواسم الأعياد احصل على 5000 ريال، بينما يحصل الرجل على 10,000 ريال في اليوم".
تضيف: "لا توجد مساواة في الرواتب في المحلات التجارية في القطاع الخاص، وغالبًا ما يبررون ذلك بأن الرجل يعيل أسرة ويتأخر حتى التاسعة ليلاً، بينما دوامنا نحن النساء ينتهي عند الخامسة مساءً. كما يتحججون بأنه في حال وجود طلبية في آخر الليل، يتم الاتصال بالذكور لإحضارها، بينما نحن النساء لا نستطيع الحضور إلا في وقت دوامنا. نضطر للسكوت لأننا إذا طالبنا سيتم استبعادنا واستبدالنا بأخريات، وأنا بحاجة إلى العمل".
أسباب مجحفة
أصبحت الفجوة في الأجور بين الجنسين ظاهرة ملحوظة، خاصة مع دخول عدد كبير من النساء إلى سوق العمل ومنافستهن للرجال. رغم ذلك، يظل الرجال متحكمين في المناصب العليا، حيث يتم تفضيلهم لأدوار قيادية، مما يساهم في تفاوت الأجور. وغالبًا ما تُعامل النساء كعاملات بأجور أقل، في حين يُعتبر الرجال الخيار الأكثر أمانًا في مؤسسات العمل، حتى في الوظائف التي لا تتطلب خبرة خاصة، وفقًا للإعلامية والناشطة المجتمعية كفى العريقي.
تعمل أم محمد العامري (40 عامًا) كمزارعة مع تجار مالكي أراضٍ زراعية. تسرد قصتها قائلة: "أنا أم لست بنات وثلاثة أولاد، وزوجي لا يعمل ولا يقوم بواجباته المنزلية من توفير احتياجات الأسرة، واضطررت للخروج والبحث عن عمل. وبما أني غير متعلمة، عملت في الزراعة منذ أن كنت في العشرين من عمري، وأصبح ذلك مصدر دخل لي ولأطفالي".
تضيف: "أخرج للزراعة في المواسم الزراعية، وأقوم بالزراعة والحصاد من الساعة الثامنة صباحًا حتى الثانية عشرة ظهرًا يوميًا مقابل 5000 ريال، بينما يحصل الرجل الذي يعمل نفس العمل وفي نفس الوقت على 8000 ريال. ولولا ظروفي، لما خرجت للعمل والقبول بهذا الراتب غير العادل".
القوانين والعادات
تلعب العادات والتقاليد دورًا في هذه الفجوة، حيث يُتوقع من النساء تحمل مسؤوليات إضافية في المنزل، بينما يتمتع الرجال بمرونة أكبر في أوقات العمل. هذا التوزيع غير العادل للمهام يؤثر سلبًا على النساء، حيث يحصل الرجال على امتيازات إضافية دون أن يبذلوا نفس القدر من العمل، بحسب المحامية هدى الصراري.
توضح الصراري أن على الدولة التدخل لضبط المعايير، لكنها لا تتدخل في فرض الأجور، مما يؤدي إلى تفاوت الرواتب. وأشارت إلى أن الموظفين لا يمكنهم في بعض الحالات محاكمة جهات العمل بسبب اللوائح الداخلية التي تخضع لها تلك المؤسسات.
وبحسب المحامي عبدالملك أحمد، فإن قانون العمل هو قانون عالمي يشمل جميع الدول، ومن شواهده عيد العمال الذي يُحتفل به في 1 مايو من كل عام. في معظم البلدان، يكون دوام العمل محددًا بثماني ساعات يوميًا، وفي اليمن يحدد قانون العمل أيضًا ساعات العمل بثماني ساعات، مع احتساب أجر إضافي للوقت الإضافي.
تؤكد هدى الصراري وجود تفاوت بين قانون العمل وقانون الخدمة المدنية. فبينما يخضع قانون العمل لإدارة الشركة أو العمل الخاص، ويحدد حدًا أدنى وحدًا أقصى للأجور، يساوي قانون الخدمة المدنية بين أجور الرجال والنساء، إلا أن هناك تمييزًا في بعض النصوص، مثل تلك المتعلقة بفترة التقاعد وفترة العمل، ما يؤدي إلى تفاوت في الأجور.
زيادة الوعي
ترى كفى العريقي أن من أهم الحلول تعزيز القوانين التي تضمن المساواة في الأجور، مع مطالبة النساء بأنفسهن بالمساواة وزيادة الوعي لدى المسؤولين بأهمية المساواة الاقتصادية والاجتماعية. في حين تؤكد نميم ياسين على ضرورة توحيد الجهود لمواجهة هذا الظلم وتحسين الأوضاع المالية للنساء.
وتشير الصراري إلى أن من الحلول لتحسين الفجوة في الأجور بين النساء والرجال تعديل بعض النصوص القانونية لضمان مساواة الأجور بين الجنسين. ففي المرافق الحكومية تُحدد الأجور بناءً على سنوات الخبرة ومعايير أخرى، بينما في القطاع الخاص قد يفضل صاحب العمل مصالحه الشخصية، مما يساهم في استمرار عدم المساواة.