اليمن... مجتمع أبوي ديني يقيد حياة النساء
![](/photos/022025/67a78b03659db.jpeg)
عقدت آمال النساء في نهاية الستينات على دولة علمانية تضمن حقوقهن قبل أن تجهض الانتماءات القبلية هذه التجربة، لتصبح اليمنيات على الحال الذي يشهد تفاصيله العالم كل يوم.
يمكن القول ودون أي مقدمات أن المجتمع اليمني مجتمع أبوي بامتياز كجميع مجتمعات شبه الجزيرة العربية، فتاريخ اليمن الذي هو من أكثر التواريخ تعقيداً شهد زخماً تاريخياً بالأحداث التي مست النساء بشكل مباشر وغير مباشر.
الحس القبلي عالي جداً في اليمن منذ القرون الأولى للميلاد وحتى اليوم، وهذا ما جعل اليمن مضطرب دائماً، كذلك لا يمكن إغفال حقيقة مهمة أن الحضارة اليمنية لم تحصل على البحث التاريخي الكافي.
واليوم لا يرى أكثر الأشخاص تفاؤلاً أي خارطة طريق للأزمة اليمنية التي تتعقد حدثاً بعد حدث، وليس هناك نهاية مضيئة للنفق، فماذا حدث لنساء اليمن وإلى أين تسير بهن الأحداث؟
ما بين الحقيقة والأسطورة
كُتب التاريخ منذ قيادة المجتمع من قبل النظام الذكوري، لكن هناك تاريخ غير مكتوب يتم تجاهله وهو التاريخ المخفي للمرأة الممتد لأكثر من خمسة آلاف عام ق.م عندما كانت المرأة هي من يدير المجتمع ويلتف الجميع حولها.
قُدست المرأة قبل تأسيس الحضارات اليمنية واعتبرت آلهة للخير والبركة والعطاء قبل أن يعمل الرجل على مشاركة المرأة هذه القدسية وابتكار إله ذكر، فاليمنيون قدسوا الإله "عثتر" وكانت العقائد تتمحور حول ثالوث الشمس والقمر وابنتهما كوكب الزهرة، و"عثتر" هو النسخة المذكرة من عشتار بحسب الأبحاث الأخيرة، كما اعتقد اليمنيون القدماء أن عثتر انقسم إلى إله ذكر وآلهة أنثى ويمثل أب وأم البشرية جمعاء.
المعلومات قليلة حول الحضارة اليمنية، لأن هذه الحضارة لم تنل البحث التاريخي الذي تستحقه، والأخبار المتعلقة بأحوال النساء في التاريخ اليمني القديم شحيحة، وما تزال الأبحاث في بداياتها يعيقها النزاع الطاحن، ولذلك كانت المصادر التي تم الاعتماد عليها محدودة.
المعنيين بالبحث في التاريخ ينقسمون إلى قسمين الأول يؤكد أن نساء اليمن كن تتمتعن بالعديد من حقوقهن وأن تاريخ اليمن حافل بحكم النساء، ويدعم هؤلاء المؤرخون اعتقادهم هذا بالقول إن مجرد وصول امرأة إلى سدة الحكم ليس بالأمر السهل بل إنه يستحيل في المجتمعات التقليدية والبدائية، وهذا ما يؤيد نظرية إمكانية عمل المرأة في مختلف المجالات ومنها أعمال البيع والشراء والزراعة، إضافة لتسلم النساء مناصب دينية كبيرة.
كما استشهد هؤلاء الباحثين بذكر التاريخ أسماء العديد من النساء اللواتي حكمن، وأبرزهن الملكة بلقيس بنت اليشرح بن شرحبيل بن الهدهاد بن ذي سحر وهي أكثر الملوك حضوراً تاريخياً في الحقبة السبئية وقد حكمت في القرن العاشر قبل الميلاد فيما بين 946 -924 لما يزيد على 22 عاماً، وهي في الترتيب الـ 17 من بين ملوك سبأ التبابعة، وقد اتصف عهدها بالرخاء.
كما بين البروفيسور "سرجي برانتسوزوف" صاحب كتاب "تاريخ حضرموت الاجتماعي والسياسي قبيل الإسلام وبعده"، أن المرأة تمتعت بمكانة مهمة في المجال الاقتصادي لدى ممالك سبأ وحمير، تأسست على الاستقلال الاقتصادي، وذلك وفقاً لنقش سبأي غير منشور اكتشفه عالم الآثار الفرنسي "كريستيان روبن" في مديرية نهم بالعاصمة صنعاء عام 1987 ينص على "حق المرأة التصرف بمالها الخاص ومزاولة التجارة أو الاستثمار به دون الحاجة الى موافقة زوجها" إضافةً لنقش مماثل اكتشفه الباحث الإنكليزي الفريد بيستون.
لكن بالمقابل يشكك القسم الثاني من علماء الآثار في الوقت الحالي بكل ما تم التوصل إليه من اكتشافات تاريخية كون باحثي الآثار السابقين استندوا في أبحاثهم على ما جاء في الكتب المقدسة، ويبحثون عن كل ما يؤيد ما جاء فيها، خاصة العهد القديم وهناك ثورة حقيقية أطلقها علم حديث يسمى بـ "علم الأديان"، يقول إن العديد من القصص التي تضمها الكتب المقدسة غير واقعية وليس لها أي أثر تاريخي، فملكة سبأ بلقيس التي تعرف أيضاً باسم "ماكيدا" لم يكتشف لها أي أثر تاريخي.
كما أن الأسماء التي وجدت للمكاربة "وهو اللقب الرسمي للحاكم في العصور القديمة"، قبل القرن العاشر ق.م لا تشير لوجود أي امرأة، لكن الآثار تدعم وجود "نادين ذي صدقن" حيث وجد تمثال برونزي لها عمره ثلاثة آلاف سنة في محافظة إب مكتوب عليه بخط المسند "نادين ذي صدقن شمس"، ومما يؤكد مكانتها العُليا في السلطة الدينية هو شعار الشمس الذي يتوسط رداءها.
وكذلك ذكر الأدب العربي قصة طريفة بنت الخير الحميرية وهي كاهنة حذرت من انهيار سد مأرب المعروف بـ "سيل العرم".
ويذكر التاريخ الملكة أروى بنت أحمد الصليحي التي حكمت اليمن في القرن 11م لمدة 56 عاماً، وهي الفترة الأكثر ازدهاراً في عهد الدولة الصليحية، إذ أسهمت في تعزيز معالم النهضة العلمية في البلاد، وشهد اليمن في عهدها ثورة زراعية وتجارية، وسقطت دولة الصليحيين عام 1138 بوفاتها عن عمر ناهز الثمانين عاماً. ولا توجد معلومات عن الحياة الاجتماعية حتى العصر الحديث.
تجربة صعبة
في جنوب اليمن عام 1967 نشأت حركة ماركسية لينينية وسمي الجنوب بـ "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، وتمكنت النساء من الحصول على حقهن في التصويت بنفس العام، لكنهن لم تتمكن من دخول البرلمان إلا العام 1990، كذلك شكل صدور قانون الأسرة في عام 1974 ثورة في مكاسب المرأة اليمنية، إذا نص على مبدأ تكافؤ الفرص، وأسست النساء التعاونيات، وأطلقن حملات محو الأمية للمرأة، وتقديراً لذلك منحت منظمة اليونيسيف الاتحاد العام لنساء الجنوب ميدالية "كروبسكايا"؛ لإنجازاتها في القضاء على الأمية بين النساء.
وتم التوقيع على اتفاقية سيداو في العام 1984، كما كانت عدن أول مدينة تحتضن أول تشكيل حركة نسائية في شبه الجزيرة العربية. ولا يمكن للتاريخ نسيان المظاهرة النسائية التي شهدتها مدينة عدن في عام 1951 لمجموعة من النساء ضد العنف المنزلي.
وعمل الاتحاد العام لنساء اليمن على دعم النساء من خلال افتتاح مراكز التدريب الفني وتنظيم دورات مهنية شملت تعلم مختلف المهن حتى الميكانيكية والعسكرية، وتراجع ارتداء الشادور.
وضمنت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التعليم والعلاج المجاني، وتم تطبيق القانون بشكل جيد بالنسبة لبيئة مجتمعية قبلية مثل اليمن. لكن لم يدم ذلك طويلاً لتتفجر في العام 1986 الحرب الأهلية في جنوب اليمن بعد مهاجمة المكتب السياسي للحزب الاشتراكي في عدن، وانتهت أول دولة ماركسية علمانية في البلاد.
الارتداد
يحتاج التحرير أن يكون المجتمع مستعد له، لكن أن تكون الخطط مسبقة ويتم تطبيق تجارب بلدان أخرى وبيئات مختلفة على مجتمع مختلف تماماً فهو مشروع مهدد بالزوال، وهذا ما حدث في جنوب اليمن، فقد كان الأولى أن يتم نشر الوعي تجاه مفهوم المساواة بين أفراد المجتمع، ثم سن القوانين التي تكفل تطبيق هذه المساواة، وبالتوازي مع ذلك تكثف الحركة النسوية جهودها في سبيل تمكين حقوق المرأة.
وتتضح ضرورة توعية المجتمع أولاً فيما قالته عايدة يافعي والتي كانت عضو اللجنة المركزية للجبهة القومية للتحرير، ومدير مكتب أمينها العام في لقاء صحفي عام 1977، عن تعرض عضوات اللجنة المركزية للجبهة القومية للتحرير للاضطهاد من قبل أسرهن ورجال الدين، وكذلك بالعدد الخجول لهن في الجبهة القومية للتحرير، إذ لم تكن الجبهة تضم أكثر من 300 عضوة حتى عام 1963، كما أنه تم إغلاق بعض المراكز المهنية التي تم افتتاحها للنساء بواسطة العائلات نتيجة للعادات والتقاليد الرافضة لهذا الانفتاح.
قانون الأحوال الشخصية لعام 1992، الذي حل محل قانون الأسرة يؤكد أن المجتمع اليمني لم يتغير تجاه الانفتاح نحو حقوق المرأة، فالنهج المناهض للتحرر النسوي عاد للسيطرة، وحارب اللواتي انخرطن في العمل والنشاط الاجتماعي وليس النسوي فقط، فالمحافظون اعتبروا أنهن تهددن استقرار المجتمع المبني على الرضوخ النسائي، ولا يمكن أبداً إغفال الضغوط التي مارستها دول نشرت دعاية مضادة للانفتاح ووصفته بالمخالف لمبادئ الإسلام، إضافةً لضغوط اقتصادية من دول لم تقدم النفط الخام بسعر أقل من السوق مما أدى إلى ضعف الجنوب اليمني القليل الموارد أصلاً.
الضربة القاضية
في عام 1990 توقف الاتحاد السوفياتي عن دعم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، واستمرت الانقسامات السياسية بين قيادات الجنوب، ليعلن عن الوحدة، دون فترة انتقالية، وليتم التنازل عن جميع مبادئ الاشتراكية ومنها حقوق المرأة.
واندلعت حرب الـ 1994 الأهلية بين قوات الرئيس آنذاك علي عبد الله صالح وقوات الحزب الاشتراكي، وهي نتيجة الاندماج الغير مدروس للدولتين، واختلاف الرؤى حول قيادة البلاد، انتهت الحرب الأهلية، وبدأت الحرب على المرأة، إذا تم تهميش النساء، وإقصائهن بمختلف الوسائل، وانتهكت حقوقهن تحت ذريعة "الدين لا يقبل"، وأغلقت المصانع التي تشكل النساء ثلثي العاملين فيها، والعديد من مؤسسات جنوب اليمن، ودخلت عادات جديدة تحت اسم قوانين عرفية، إضافةً للضخ الإعلامي مدعوماً بفتاوى مشايخ، منها فرض ارتداء النقاب وتهديد اللواتي لا تلتزمن برش وجوههن بمواد حارقة، وقادت أحزاب متشددة هذه الحملة منها حزب الإصلاح وهو أحد أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد، وبذلك تم إدراج دولة الوحدة اليمنية كأسوأ دولة فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين كنتيجة طبيعية لهذا الانهيار الحقوقي.
التطرف وجهود النساء لإجهاض مشروعه
جميعهم يفرضون قوانينهم المعادية للمرأة، فالجماعات المتشددة والتي تحمل السلاح منذ اندلاع النزاع في اليمن تحمل سلاحاً آخر موجه نحو النساء، سلاح الحلال والحرام والعيب ويفرض المتشددون الذين أصبحوا سلطة الأمر الواقع قوانينهم على المجتمع.
شعب لاهث وراء لقمة العيش لن يهتم للحرية، ولا يلقي بالاً إلى ما تعنيه هذه الكلمة أصلاً، وإذا ما ترافق الفقر مع الجهل فإنه ينتج بيئة خصبة للتطرف الديني، وهذا ما حدث في اليمن جراء عدم استثمار موارده الاقتصادية ونخر الفساد في القطاع الاقتصادي، إذا تصنف اليمن على أنها ذات اقتصاد متدهور، وتعتمد على المساعدات الدولية، هذا الاقتصاد المتدهور أدى إلى عدم الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان ومنها حقوق المرأة.
هناك العديد من العوامل التي أدت إلى زيادة التطرف في اليمن على رأسها الفقر، إضافةً لعدم وجود ديمقراطية سياسية حقيقية في البلاد، والفهم المتشدد للدين ونظرته للمرأة دون هوية لتكون فقط أم فلان واخت وابنة فلان، وتواترت هذه المفاهيم جيلاً بعد جيل دون وجود أي جهات للنضال ضدها.
المناهج التعليمية بحد ذاتها تنشر الجهل حول الدين وحقوق المرأة، وتحارب أي مسعى لتحرير المرأة لضمان تحقيق التدين للمجتمع والدولة، والأمية ليست بأفضل فإذا كان الطلاب يدرسون مناهج تحض على العنف ضد المرأة فالأمية تؤدي ذلك العمل أيضاً.
الإخوان المسلمين واستخدام النساء
الأمية أسالت لعاب الجماعات السلفية المتشددة ومنها جماعة الإخوان المسلمين، إذ استغلت نسبة الأمية التي تخطت الـ 70 بالمئة بين اليمنيين واليمنيات، لممارسة نشاطها السياسي، واستهدفت القبائل صاحبة الأثر الأكبر في تكوين التوجهات لدى الشعب الذي يحمل بطبيعة الحال كماً كبيراً من هذه الأفكار المضادة للنسوية والعلمانية.
بدأ نشاط الإخوان المسلمين في ستينات القرن الماضي، وكانوا جزءاً أصيلاً وفاعلاً في نظام الجمهورية العربية اليمنية في الشمال، مع العلم أن حركة الإخوان تم منعها منعاً باتاً في الجنوب، وتمت محاربة أفكارها، لكن الوحدة أوجدت واقع جديد دعم هذه الأفكار والرؤى الرافضة لأي تحرر مجتمعي وخاصة نسائي، فبدأوا بأخذ مكانهم في هياكل الدولة، ويقود نشاطهم التجمع اليمني للإصلاح أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد، والذي تأسس بعد الوحدة عام 1990.
نهج الإخوان المسلمين المعادي للمرأة واضح، والأخطر أنه يستخدم النساء لترسيخ أفكاره، ويدفعهن لذلك العاطفة أكثر من العقل والتفكير، حسن البنا مؤسس الجماعة كان واعياً إلى دور المرأة المهم؛ كونها تُنشأ الأجيال، فيتم ضمان استمرار أفكار الحركة لقرون من الزمن.
في اليمن يضم التجمع اليمني للإصلاح عدداً كبيراً من النساء اللواتي تدعمن أجندة الإخوان، تحت اسم "منظمة نساء الإصلاح"، التي تشارك في مختلف أعمال الحزب، وتنشط بمؤتمرات وندوات لتحقيق الغاية المنشودة.
الزيدية... نظام ديني متشدد
يقوم مذهب الزيدية الذي ظهر في منتصف القرن الثاني الهجري على قاعدة الخروج على الحاكم الظالم، لكن الحقيقة أنه يخفي أفكاراً معادية للمرأة، بدت أوضح للعالم بعد سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة من شمال اليمن.
صراع مضاعف، هو ما تتعرض له المرأة في اليمن فبالنسبة للواتي تعشن في مناطق سيطرة الحوثيين يتم تطبيق نظام ديني، الأحكام فيه تقوم على مبدأ أن الأمر الإلهي يعطي منزلة أكبر للرجل والمرأة عورة يجب أن تخفي نفسها دائماً، وعليها الانصياع لأوامر الرجال لا لشيء إلا لأنهم ذكور.
ثورة المرأة في إيران والتي لم تخمد إلى الآن أسبابها تتشابه مع ما يحدث للنساء في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين والتي تمثل ذراعاً إيرانياً في اليمن، وهي حلقة من سلسلة التشييع السياسي الإيراني في المنطقة منذ اندلاع الحرب عام 2014، فالحوثيين كإيران تمنع الاختلاط والموسيقا، وتفرض ارتداء الحجاب، وتمنع الحرية في الملابس، والتنقل دون محرم، أي تتم معاملة المرأة كقاصر حتى لو بلغت من العمر سبعين عاماً.
القاعدة وتشويه المجتمع
يسيطر تنظيم القاعدة تحت اسم أنصار الشريعة الذي يحارب الحوثيين بدرجة رئيسية، على عدة مناطق في البلاد، وقد تأسست هذه الجماعة عام 2011، وهي جزء من القاعدة في جزيرة العرب، وفي عام 2015 انضم عناصر منها إلى داعش.
إضافةً للانتهاكات والمجازر التي مارسها الحوثيين ضد المجتمع اليمني بشكل عام، استهدفت النساء اللواتي انزوين اتقاء شرها، لكنهن لم تسلمن من المضايقات في الشوارع، وفرضت الزي الشرعي، ووزعت منشورات حول ماهية هذا الزي، وألزمت المتاجر ببيعه، ورفعت شعارات منها "صوني أيتها المؤمنة الشريفة جسمك الطاهر وحصنيه بالاحتشام"، أي أن المرأة بنظرهم ليست أكثر من عورة.
النشاط النسوي وسبل الحل
لم يصل النشاط النسوي في اليمن إلى حراك، فالارتباط الوثيق بمفاهيم القبيلة وقف عائقاً أمام تحقيق تطورات راسخة أو طويلة الأمد، لذلك كانت المطالب النسوية ضمن إطار لا يثير حفيظة المجتمع، وهناك حقيقة أخرى هي أن تحرر النساء يأتي من تحرر الأسرة ذاتها؛ لذلك انخرطت في العمل النسوي اللواتي وجدن الدعم من أسرهن.
المشاركة السياسية كانت ضعيفة منذ عهد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ففي انتخابات مجالس الشعب المحلية في أول دورة عام 1987 بلغت نسبة مقاعد النساء 10 بالمئة فقط.
وساء الوضع كثيراً منذ الوحدة عام 1990، وازداد سوءاً بعد اندلاع النزاع بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، فتحولت الثورة الشبابية لنكبة يمنية، بعد ارتهان أطراف النزاع لأجندات خارجية، فتم تجاهل المطالب الشعبية، واحتدم الصراع لكسب ما يمكن اكتسابه، خاصةً أن علي عبد الله صالح تعامل مع البلاد كممتلكات عائلية قسمها على أقاربه ومن يودهم.
في الحرب تتراجع المبادئ والقيم وكذلك المكاسب، وهذا ما حدث لنساء اليمن فبعد أن صدرت عام 1994 قوانين تضمن المشاركة السياسية لهن، دخلت البلاد أزمة سياسية اقتصادية ومعيشية وحقوقية، وتراجع بطبيعة الحال الجانبين الفكري والثقافي، وعادت الولاءات القبلية لتزحف من جديد وتنهش في جسد المجتمع اليمني، وأصبحت حقوق النساء رفاهية وانهارت حقوق الإنسان، وانتهت العملية السياسية، وأصبح الاقتتال بين الأطراف هو عنوان النزاع في "اليمن السعيد".
أغلب المناطق تدار من قبل الجماعات المتشددة، فالحوثيون في الشمال والإخوان في الجنوب، وينهش تنظيم القاعدة بعدد من المدن، ورغم محاولات إصلاح الوضع إلا أن الموروث الاجتماعي البالي وجد بيئة مناسبة للرسوخ أكثر، وسيطر الرجال على أي محاولة للسلام، واتضح ذلك من خلال خلو "مجلس القيادة الرئاسي"، الذي أسفرت عنه مشاورات الرياض في نيسان/إبريل 2022 من أي عنصر نسائي، وخلت كذلك حكومة المناصفة التي تمت في عام 2020 بين المجلس الانتقالي الجنوبي والشرعية المعترف بها دولياً، من النساء.
أما الأحزاب السياسية فاحتفظت بالنظرة الأبوية، ولم تكن شعاراتها المناصرة للنساء إلا محاولة لاستمالتهن، والاستفادة من أصواتهن؛ لدعم مرشح رجل، رغم أن المادة الثامنة من قانون الأحزاب الذي سُن بعد الوحدة تنص على "عدم قيام الحزب أو التنظيم السياسي على أساس مناطقي، أو قبلي، أو طائفي، أو فئوي، أو مهني، أو التمييز بين المواطنين بسبب الجنس، أو الأصل، أو اللون".
ولكن فعلياً لم يتم دعم النساء في الانتخابات البرلمانية لعام 1997، ولم تفز إلا امرأتين في مقعدين بالبرلمان، وفي عام 2003 تنافس 1396 مرشح بينهم 11 مرشحة فقط، حتى أن الحزب الاشتراكي الذي كان يحكم دولة الجنوب لم يرشح إلا ثلاث نساء من بين 105 مرشحين على قائمته.
ولكون مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد عام 2013 تحت رعاية أممية والآليات المنظمة للمشاركة فيه تحدد حصة النساء فقد تجاوزت نسبة مشاركتهن 28 بالمئة.
تحديات العمل المدني والنسوي
الحرب هي أكثر الانتهاكات خطورة على المجتمعات لذلك مهما كانت الجهود قليلة تبقى مقاومة ترفع لها القبعة، وإن كان المجتمع اليمني ما يزال محافظاً على نسيجه، فذلك بفضل النساء، سواء كن ربات منازل أو ناشطات نسويات أو حقوقيات.
بعد العام 2011 تأسست العديد من المنظمات النسوية ومنظمات شبابية فحركة المجتمع المدني نشطت بشكل كبير وتمكنت المرأة من خلالها من رفع الصوت لتكثيف العمل النسوي والمشاركة الإيجابية في الأحداث الجارية وبناء اليمن السعيد ليكون سعيد حقاً، لكن بعد العام 2015 تقلص الفضاء المدني.
وتعمل النساء على سد الثغرات في آليات الحماية التقليدية التي أثبتت فشلها في حمايتهن من العنف المجتمعي والدولتي فـ "شبكة الظل"، التي تنشط في الشرق الأوسط وأوروبا وكندا تعمل في اليمن مع منظمات المجتمع المدني وتقدم دعماً واستجابة فورية للناشطات في مجالي حقوق الإنسان والمرأة اللواتي تواجهن تهديدات من قبل أطراف النزاع أو اللواتي يتم اعتقالهن، في حين لا يمكن للنساء في مناطق سيطرة الحوثيين والجماعات المتشددة العمل بأي نشاط ولا بأي شكل.
وهناك حملات إعلامية واسعة تشن ضد منظمات المجتمع المدني والناشطات وربط مطالبهن بنظرية المؤامرة والأجندات الخارجية، وغيرها من الاتهامات مما يصعب العمل عليهن في ردع المظالم التي تتعرض لها النساء من قبل الذهنية الذكورية السلطوية التي تمثلها أطراف النزاع خاصة المتشددة منها.
وتحديات أخرى تواجه النشاط النسوي أهمها نقص شديد في التمويل، فأصبح على اليمنيات التطوع في ظل أزمة اقتصادية وشبه مجاعة في البلاد.
إلى اليوم المجتمع اليمني مشتت ما بين الجهات المسيطرة عليه، وهذا الوضع شتت المرأة أيضاً التي لا تعرف حقوقها إلى أين تتجه، ولا حل يلوح في الأفق مع وصول الحرب ربما إلى البلاد جراء المناوشات بين الحوثيين والقوات الإسرائيلية التي تستهدف القواعد الحوثية، فهل ستتسع دائرة الحرب أو هل ستنتهي الأزمة أو سيبقى الحال على ما هو عليه خلال السنوات القليلة القادمة؟ هذا ما لا يستطيع أحد تخمينه، ويبقى أي تخمين في نطاق التحليل والتوقع لا أكثر.