لماذا تغيرت استراتيجية الأردن ضد تنظيم الإخوان ؟

دخل الأردن مرحلةً جديدة في حملته ضد تنظيم الإخوان الإرهابي، ففي 14 مايو (أيار)، أصدرت الحكومة الأردنية إنذاراً نهائياً: "على أي شخص بحوزته أصول منقولة أو غير منقولة كانت مملوكة سابقاً للتنظيم أو مسجلة باسمه، بما في ذلك الممتلكات والأموال والمقتنيات الأخرى"، إبلاغ وزارة التنمية الاجتماعية بها خلال شهر واحد، وإلا فسيكون عرضةً لإجراءات قانونية.
وتتزامن مذكرة الحجز على الأموال والأصول مع حملة أمنية مكثفة. ففي 23 أبريل (نيسان)، أعلن وزير الداخلية مازن الفرّاية حظر تنظيم الإخوان الإرهابي بالكامل، بعد أيام قليلة من اعتقال السلطات لستة عشر من أفراده بتهمة إنتاج صواريخ، وتصنيع طائرات مسيرة، والتنسيق مع أطراف خارجية، مما يؤشر إلى انتهاء سنوات من التسامح الحذر مع أنشطة التنظيم، حسب ما أفاد أحمد شعراوي، محلل أبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات الأمريكية.
وقال الكاتب في شؤون الشرق الأوسط والمشرق العربي، في مقاله بموقع مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية: رسمت معارضة الإخوان الشديدة لاتفاقية السلام التي أبرمها الأردن مع إسرائيل عام 1994 معالم علاقة الجماعة المتوترة بالنظام الملكي. وزادَ هذا التوتر حدةً خلال ما يسمى بثورات الربيع العربي، التي أطاحت بالأنظمة في الشرق الأوسط.
ورغم ذلك، لم يشارك تنظيم الإخوان الإرهابي في مظاهرات عنيفة، خلافاً لفروع الحركة الأخرى في المنطقة. وعلى نقيض الدول المجاورة، فضَّل الأردن التعامل مع الإخوان بسياسة الاحتواء، لكن هذه السياسة قد تداعت الآن.
ففي 15 من أبريل (نيسان)، أعلنت مديرية المخابرات العامة بعمّان عن أن المخططات التي تم إحباطها، وترجع بداياتها إلى عام 2021، تضمنت "تصنيع صواريخ وطائرات مسيرة، وحيازة متفجرات وأسلحة نارية، وتجنيد عناصر داخل الأردن وخارجه".
دأبت المملكة الأردنية الهاشمية على توخي الحذر عند الإعلان عن مؤامرات إرهابية أحبطتها، مكتفية ببيانات مقتضبة تخلو من الأسماء أو الانتماءات أو المواقع الدقيقة.
غير أن الحكومة قررت هذه المرة إطلاق حملة إعلامية شاملة بدلاً من التكتم.
كانت حدة التوترات قد اشتدت في الأشهر التي سبقت هذا الإعلان، حيث عمّق موقف الإخوان من الاحتجاجات الهوة بينهم وبين الحكومة الأردنية. وفي مارس (آذار)، أطلق الملك عبدالله الثاني تحذيراً صريحاً مفاده "أن هناك أشخاصاً بيننا يتلقون أوامر من الخارج"، وهو ما فُسّر على نطاق واسع كتوبيخ لتوافق الإخوان مع حماس. وفي الشوارع، ردّد المتظاهرون المنتمون إلى تنظيم الإخوان هتافات "كل الأردن حماس".
ليسوا إخواناً ولا مسلمين
وثمة مثال بارز على ذلك يرجع إلى أربعينات القرن الماضي، حين شكّل الفرع المصري للإخوان جناحاً عسكرياً سرياً نفَّذ سلسلة من الاغتيالات، شملت اغتيال رئيس الوزراء محمود النقراشي. وعندما واجه مؤسس الإخوان حسن البنا ضغوطاً متزايدة، تبرأ في مقولته الشهيرة من الجناة معلناً: "هؤلاء ليسوا إخواناً ولا مسلمين". ومنذ ذلك الحين، اعتمدت قيادة الإخوان هذه العبارة بوصفها درعاً بلاغياً تلجأ إليه كلما ارتبط العنف بصفوفها.
بيد أن هذه التبريرات لا تحظى بأي اعتبار لدى السلطات الأردنية. فبدايةً، يُعدّ ربط أنشطة الخلية بالقضية الفلسطينية تكتيكاً مألوفاً يرمي إلى استدرار تعاطف الرأي العام، غير أن الوقائع تنفي ذلك. وثانياً، الأردن دولة ذات سيادة تحكمها أنظمة صارمة تمنع تصنيع الأسلحة، لا سيما لأغراض عسكرية.
ثالثاً، تعود المخططات إلى عام 2021 — أي قبل هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بفترة طويلة — مما يضعِف الادعاءات بأنها كانت مجرد رد فعل على أحداث حديثة بقدر أكبر.
تمويل من الخارج
وأخيراً، تظهر الأدلة التي نشرتها السلطات الأردنية أن الخلية المتهمة تلقت تمويلاً من الخارج، فضلاً عن علاقاتها بحماس في لبنان وحزب الله، وهما طرفان لطالما اعتبرتهما عمّان قوتين مزعزعتين للاستقرار. وينهار ادعاء الإخوان بأن هذه الأسلحة كانت موجهة لغزة تحت الفحص الدقيق. فكل التفاصيل، بما في ذلك النطاق والتمويل والتوقيت، تشير إلى مؤامرة داخلية.
موقف حازم من الحكومة الأردنية
وبات موقف الحكومة الآن حازماً بشكل لا يقبل التأويل.. لا حوار. وقد أقرَّ النائب محمد عقل، المنسق بين "جبهة العمل الإسلامي" والدولة، قائلاً: "لا أحد يجيبنا". وبالتزامن مع تلك الأحداث، اعتقلت السلطات الأردنية عارف حمدان، الذي أمسى بذلك رابع عضو في مجلس الشورى يُحتجز في إطار هذه التداعيات.
قد يعيد ما هو قادم صياغة المشهد السياسي في الأردن. فالحظر الرسمي لجبهة العمل الإسلامي يستدعي مصادقة قضائية وإجراءات من الهيئات الانتخابية. ولكن حتى إن لم تمضِ عمّان إلى هذا الحد، فمن المرجح أن يؤثر إنفاذ حظر الإخوان على قاعدة جبهة العمل الإسلامي، مما سيضعفها قبيل انتخابات عام 2028. وحتى لو تفادت جبهة العمل الإسلامي الحلّ، فإن قطع دابر مواردها المدعومة من الإخوان سيقلّص على الأرجح من جدواها الانتخابية.