انتصار الحمادي .. عارضة أزياء تجرأت على الحلم فأصبحت خلف القضبان

ارشيف

منصة شريكة ولكن :

انتصار الحمادي، شابة من أب يمني من محافظة تعز، وأم أثيوبية، تعيش في صنعاء مع والديها وشقيقها.

كانت تحلم منذ طفولتها بأن تصبح واحدة من عارضات الأزياء العالميات. وأخبرت والدها وهي في عمر السادسة برغبتها في أن تصبح عارضة أزياء أو مضيفة طيران.

كانت مهتمة بمتابعة عروض الأزياء على شاشة التلفزيون، وبمرور الأيام باتت هوايتها ومواهبها تزهر في كل فصلٍ من فصول السنة، وتدفعها بقوة لتحقيق حلمها.

لكن سرعان ما تسرب ذلك الحلم خارج أطر الحياة الحقيقية التي تعيشها.

وسرعان ما فقدت حلمها باعتقالها أثناء مرورها بإحدى نقاط التفتيش في صنعاء، التي تسيطر عليها “جماعة الحوثيين”.

كيف حاولت تخطي حاجز العادات والتقاليد؟

هل للحلم أبواب من حديد، حراس وتحقيق ووعيد؟ أصبحنا متهمات/ين مذنبات/ين بأحلامنا وأرزاقنا وأرضنا وأجسادنا. رَددوا ذات يوم بيمنٍ جديد، فأين الجديد؟ اعتقالهم للنساء أو إطالة الحرب لأمدٍ بعيد؟!

تتساءل انتصار ذات العشرين ربيعاً: “ماذا بعد أن أفقدوني حريتي بسبب حلمي؟ هل أصبح الحلم جرماً؟”.

وبعد أن قرروا حرمانها 5 أعوام من عمرها، تقضيها بعيدةً عن أهلها وحلمها وتعليمها، كيف ستواجه العالم الخارجي مستقبلاً؟ وهل سيبقى الحلم وردياً؟ أو سيتحول إلى الرمادي؟

واجهت انتصار عوائق كثيرة واعتراضات متواصلة من قبل أهلها، خصوصاً أقارب والدها.

فمهنة “الموديل”، ليست مقبولةً في ثقافة المجتمع اليمني المحافظ. لكن تشجيع والدتها ظل يدفعها إلى الأمام.

فانطلقت في مجال عروض المكياج، لتصبح أول يمنية تعمل كخبيرة مكياج وتجميل محترفة، تظهر علناً من وسط العاصمة صنعاء، في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد.

ثم بمرور الأيام، دخلت مجال عروض الأزياء، حتى وصلت إلى التمثيل في المسلسلات التلفزيونية.

فشاركت كممثلة في 2 من أهم المسلسلات الرمضانية التلفزيونية اليمنية: “سد الغريب” و”غربة البن”.

وعملت كعارضة أزياء لمدة عامين فقط، قبل أن تعتقلها “جماعة الحوثيين” المتطرفة عام 2021. وكانت حينها المعيلة الوحيدة لأسرتها في ظل ظروف الحرب في اليمن.

وفي مقابلة لـ”شريكة ولكن”، قالت المحامية والناشطة الحقوقية سماح سبيع إن “انتصار كانت تملك حلماً وتطلعات. أحبت العمل في عرض الأزياء، وهذا الأمر لا يمثل اعتداءً على أحد، ولم تقم بالخروج عن القيم الإسلامية أو العادات والتقاليد، هي مهنة كغيرها من المهن”.

وعن وضع أسرة انتصار، أوضحت سماح أنها “تتواصل معهن/م ووضعهم/ن المعيشي صعب للغاية. ووالدتها هي من تعول الأسرة حالياً وهي امرأة مسنة. كما أن دخول انتصار إلى السجن أحدث فجوةً كبيرةً كونها كانت تساعد في إعالة أسرتها، لكنها الآن تواجه قضية، وتحتاج لمتابعة ومصاريف للتنقل”.

تاريخ الاعتقال وأسبابه

اعتقل الحوثيون انتصار في شباط/فبراير عام 2021 عند نقطة تفتيش في منطقة “شملان” في صنعاء.

وكان مصدر قضائي تابع للحوثيين، اتهمها بارتكاب “فعل فاضح ومخالف للشريعة الإسلامية”.

تم استجوابها وهي معصوبة العينين، وتعرضت للإيذاء الجسدي واللفظي، ولإهاناتٍ عنصرية.

كما أُجبرت على “الاعتراف” بارتكاب جرائم عدة. وحاولت الانتحار في السجن، بسبب سوء المعاملة ووضعها الصحي السيئ.

وفي تصريحٍ خاص لـ”شريكة ولكن”، قال المحامي المكلّف بقضية انتصار الأستاذ خالد الكمال: “نسبت إلى انتصار عدة جنايات، وهي 3 تهم (الزنا، وأعمال الدعارة والفجور، وتعاطي الحشيش). وإذا رأينا القضية من منظور قانوني، فليس هناك أدلة واضحة، بينما كانت محاضر الضبط خالية من الحشيش، لا معها ولا مع رفيقاتها، اللواتي كن يرافقنها خلال سفرها، وأُلقي القبض عليهن أيضاً”.

أما السبب الرئيسي لنسبهم هذه التهم لانتصار، فهو عملها كعارضة أزياء.

والسبب الآخر والأهم هو تصريحها، أثناء مقابلتها أعضاء مجلس الشورى ومجلس النواب وبعض الصحافيات والحقوقيات والمحاميات داخل السجن، بأن السلطة القائمة في صنعاء حاولت استخدامها لاستقطاب بعض المعارضين السياسيين، ما سبب لها مشكلةً كبيرة.

وأصدرت محكمة غرب أمانة العاصمة في صنعاء، بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حكماً بالسجن لمدة 5 سنوات على انتصار بعد إدانتها هي و3 نساء، حُكم عليهن بالسجن، في انتهاك صارخ لحقوقهن.

إذ قررت المحكمة أيضاً إدانة زميلاتها يسرى أحمد الناشري، ومحلية عبد الوهاب البعداني، ورقية أحمد السوادي، بتهم مزعومة مختلفة.

فحُكم على يسرى بالسجن لمدة 5 سنوات، وعلى محلية 3 سنوات، وسنة مع وقف التنفيذ لرقية.

وعن وضع انتصار في المعتقل، أوضحت المحامية والناشطة الحقوقية سماح سبيع أن “انتصار تعاني من وضع سيئ نتيجة عوامل كثيرة، منها بيئة السجن، وتعرضها ورفيقاتها لمعاملة غير إنسانية أمام عينيّ في المحكمة من قبل إحدى السجانات، إذ قامت بجرّها بطريقة مشينة أثناء حديثها مع والدتها. كما تواجه اعتداءات لفظية، وتعاني من تورم في الغدة الدرقية وتحتاج إلى العلاج، وتمر بحالة نفسية وعصبية سيئة، وهو نتيجة إصابتها بهذا المرض”.

انتصار الحمادي

القانون اليمني وحقوق النساء

من جهته، أشار المحامي عبد الرحمن برمان إلى أن “انتصار معتقلة في السجن المركزي في سجن النساء في صنعاء، ووضعها سيئ بحسب المعلومات التي تصلنا، وتتعرض للمضايقات داخل السجن، والعزل الانفرادي بين الحين والآخر”.

وأضاف: “أعتقد أن انتصار ليست الوحيدة التي تواجه الاختطاف والسجن بل هي القضية التي وصلت إلى العالم. فقصتها، لاقت تضامناً كبيراً جداً من قبل المجتمع والناشطات والناشطين، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي والمنظمات. بينما صدرت مؤخراً أحكام بالإعدام على كثيرٍ من النساء، ولم يُسمع عنهن. منهن أسماء العميسي، وموظفيتين في الأمن السياسي”.

وأكد عبد الرحمن أنه “لا يوجد أي شيء في القوانين اليمنية يجرّم عمل النساء، خصوصاً في ظروف الحرب وانقطاع الرواتب. على العكس، تعطي هذه القوانين النساء الحق في العمل والتعلّم وكافة المجالات. لذلك، فإن هذه الممارسات ليست نابعة من القانون اليمني، إنما من عادات وتقاليد المجتمع المحافظ الذكوري ومن العادات الأسرية”.

بينما قالت سماح إن “حرية النساء في اليمن لا يتحدث عنها القانون، لكنه يتحدث بشكلٍ عام عن أمور مثل التعليم والمشاركة السياسية. لذلك تحتاج هذه القوانين إلى جهد كبير وعمل كثير”.

وأكدت أن “هناك نصوص تمييزية ضد النساء مثل قانون الأحوال الشخصية الذي يحتاج إلى العمل عليه. وهناك جرائم تقع بحق النساء، وليس هناك نص تشريعي عليها، مثل العنف الأسري، الذي ارتفعت نسبته بشكلٍ كبير جداً مع الحرب وأصبح ظاهرة منتشرة”.

ولفتت إلى أن حقوق النساء غير مصانة في اليمن، وزاد الوضع سوءاً مع اندلاع الحرب، ولن تعود هذه الحقوق إلا بوجود تشريعات منصفة بحق النساء والعمل على تطبيقها، مثل حقها في التعليم الإلزامي وحرية العمل.

عقوبة من يناصر القضية

يواجه محامي انتصار، خالد الكمال مضايقاتٍ عدة لمجرد أنه محاميها.

وقال: “قبل 3 أشهر قصدت السجن المركزي لتقديم طلب لموكلتي انتصار، فطلب مني مدير السجن محمد الماخذي بطاقة المحاماة، فعرضتها عليه لتوضيح صفتي وفقاً للقانون. لكنني صُدمت بأنه نظر إلي بازدراء ووجّه إليّ اللوم بحجة أنني محامي انتصار، ثم احتجز بطاقتي وهددني بمنعي من الخروج وحبسي”.

وأضاف: “كما تم إيقافي عن عملي في شركة التأمين الصحي التي أعمل فيها، بحجة أنني محامي انتصار، وتهديدي بملف كامل في الأمن والمخابرات. بالإضافة إلى التهديدات المتكررة والمستمرة، لكنني ما زلت مستمراً في الدفاع عن انتصار حتى اللحظة، فهذا عملي وواجبي تجاه موكلتي”.