متساوون في الغياب

في الحرب، يزداد الحزن في المدن والقرى الحزينة أصلا، فلا يرى المرء فيها سوى المقابر والأنقاض وإن لم تكن ظاهرة للعيان. يرى دموع الرجال والنساء والأطفال، يرى الخوف المنتشر بين الناس العاديين، يراه حتى بين المقاتلين المدججين بالأسلحة.

في مدن وقرى الحرب، لا يتوقف الناس عن البكاء، وإن لم تسقط دموعهم، يبكون من شدة الفقد، يبكون على أبنائهم، أبائهم، أمهاتهم، أزواجهم، أخوانهم الذين قتلهم الرصاص أو المرض أو الحسرة، غير أن الأطفال أكثر من يبكي، فهم فوق بكائهم على كل من سبق، هم يبكون أيضا على رحيل أصدقائهم، رفاق الحارة والمدرسة والحقل والمنزل.

في الحرب يتقاسم الرجال والنساء والشباب والأطفال مدنيين كانوا أو مقاتلين، الخوف والبكاء بالتساوي، لكن هناك ما هو أقسى. هناك الذين يقفون خلفنا يتحينون كل الفرص لتقاسم ضعفنا، يحصدون الغنائم وينقضون على ما تبقى من سبل النجاة، أولئك الذين يحولون كل شيء فينا وحولنا إلى جيف لينهشونها، أولئك أمراء الحرب وإن شئتم عبيدها!

هنا وأمام هذا المشهد، يعي الجميع أن ليس ثمة بطولة للحرب تستحق أن تذكر، ليس هناك سوى الضعف والهشاشة فينا، والنذالة فيهم، وأن لا بديل شجاع، عقلاني وإنساني سوى الرفض، سوى المقاومة، سوى الدفاع عن البقاء ولو بالكلمة، إذ ليس في مصلحة أحد الدفاع عن الحرب والجماعات المسلحة خارج الدولة أو تقديرها أو عقد الأمل عليها، إنما مصلحتنا في اختيار الدولة وإن كان- في حال اليمن الفاسد- خيار البقاء عليه أشبه بالقبض على جمرة، لكنه الخيار الذي طالما فشلنا في تحقيقه والحفاظ عليه منذ ٣٠٠٠ سنة، وأصبحنا اليوم نعرف جيدا أن غيابه- بالتساوي- يعني غيابنا.

مقالات الكاتب