ويحدث أن تصبح مدمنا للغربة

ويحدث أن تصبح مدمنا للغربة 

 

في بداياتي مع الغربة لم أستطع التعود، لم أستطع التعايش مع فكرة أني غريبة في أرض غريبة. كنت أتحرق شوقا للعودة إلى أرضي التي ولدت وترعرعت فيها، وكنت أجزم أن الموت هو أن تغادر أرضك التي تحبها.

 

لكني اليوم وبعد ٣٢ سنة من الغربة من أرض إلى أرض، ومن عالم إلى عالم أو عوالم مختلفة، ومطارات وأرصفة وحيوات متفرقة. ورغم الفقد والبعد والتعب.

 

أدمنت غربتي ولم أعد أحن إلى ذلك الوطن الذي تمنيت أن أعود إليه كل تلك السنين. لم تعد تغريني كل تلك الحكايا والأشعار والقصص عن الوطن وعن الحنين إليه وعن أرضه التي يعادل ترابها مرجانا وياقوتا وكل كنوز الجن والإنس.

 

لم يعد حلمي أن أعود إلى مسقط رأسي، وقبلة قلبي، ورمانة الروح كما كنت أسميها، ولم تعد ذاكرتي تسعفني بذكرياتي التي دُفنت عند آخر حدود لي في مطارها قبل أن تغادرها روحي قبل جسدي.

 

وإن أصعب الأشياء أن تدمن الغربة رغم أن روحك تتوق إلى أن تصل إلى ميناء الوطن وتستقر. وأن تضع رأسك على مخدة في آخر محطات عمرك الذي قضيته بين السماء والأرض ذهابا وجيئة.

 

والأصعب أن يتغلب إدمانك هذا على أمانيك التي حملتها عمرا بين حناياك كالسر وفي العلن، فتصبح غربتك رغبة لا رهبة لا يمكنك مقاومتها ولا تستطيع العيش معها. كالمشردين تماما لنا أمنيات لكنها تتجول ولا تجد لها موطن. ولا يمكنها أن تعانق الواقع.

 

وبمرور الحياة ومعاركها تصبح الغربة وطنا، ويضحي الوطن غربة.

مقالات الكاتب