جهود نسائية تقود مشاريع لمكافحة الابتزاز الإلكتروني
عندما أعلنت السلطات العدلية اليمنية عن إنشاء شعبة لمكافحة الابتزاز الإلكتروني قبل نحو سبعة أشهر، كانت عصماء محمد (30 عامًا) على وشك إرسال مبلغ مالي باهظ لعصابة متخصصة في ابتزاز النساء عبر الإنترنت، مقابل التوقف عن نشر صورها على وسائل التواصل الاجتماعي، في واحدة من أبرز القضايا المتفشية في مجتمع ذكوري محافظ لا تزال تهيمن عليه ثقافة "العيب والعار".
في 6 مارس/آذار 2024، أعلن تكتل "نون" النسوي إنشاء شعبة لمكافحة الابتزاز بالتعاون مع النيابة العامة في مدينة عدن، جنوبي البلاد، في أول تحرك حكومي للحد من تفشي هذه الظاهرة، ضمن جهود منسقة لردع المبتزين قضائيًا، رغم غياب قانون خاص بجرائم الابتزاز في الفضاء الإلكتروني.
للابتزاز صور متعددة
قررت عصماء محمد "اسم مستعار" فور سماعها عن إنشاء الشعبة، تقديم شكوى عبر منصة الإبلاغ التابعة لها. في الأثناء، كانت العصابة قد نشرت صورها في حسابات وهمية على تطبيق "تيك توك" وأرفقت اسمها لتدفيعها 2500 دولار، بعد إرسالها 500 ريال سعودي استجابة لمطالبهم.
طلبت عصماء في شكواها المقدمة للنيابة العامة مساعدتها في تتبع المبتزين وتوقيفهم قبل أن "يصبح دمها مباحًا"، حد وصفها.
كما لجأت دنيا أحمد "اسم مستعار" إلى الشعبة، بعد تعرضها لحملة تشهير واسعة النطاق. وعلى الرغم من قيامها بحظر رقم المبتز من تطبيق "واتساب"، استمر في إرسال رسائل تهديدية لأسرتها بنشر صورها في حالة عدم تراجعها عن قرار الحظر.
تقول دنيا إن المبتز أنشأ خمسة حسابات وهمية على "فيسبوك" وشرع بمراسلة والدتها وإخوتها، بالإضافة إلى إرسال صورها لأصدقائها عبر حسابها على "فيسبوك". ووفق الشكوى المقدمة للنيابة، استمر المبتز في ممارسة الضغوط عليها، دون تفاصيل إضافية.
وإلى جانب عصماء ودنيا، ثمة عشرات الفتيات اللاتي تعرضن لأشكال متعددة من الابتزاز، كما حدث مع فاطمة سعيد التي وقعت ضحية رابط أرسل لها من صديق بدعوى التقديم لوظيفة. لكنها فوجئت لاحقًا بأنها "وقعت في الفخ" بعدما تمكّن المبتز من سحب جميع صورها، ما دفعها إلى إبلاغ مختصين إلكترونيين، في حوادث متكررة مع تطور الفضاء الافتراضي وتوسع دائرة استخدام الإنترنت في اليمن.
حاجة المجتمع
وجد مشروع إنشاء شعبة مكافحة جرائم الابتزاز الإلكتروني تجاوبًا سريعًا من قبل النائب العام لتفادي الظاهرة الدخيلة على المجتمع غير المهيأ أصلًا لمواجهة هذه الجرائم، وسط صعوبات التعامل معها من قبل السلطات القضائية والأمنية، وفق منسقة تكتل "نون" عفراء حريري.
"إنشاء المشروع جاء تلبية لحاجة المجتمع لوحدات متخصصة تستطيع فرض عقوبات مثل السجن أو الغرامة على المبتزين، بعكس المنصات التي تعمل بشكل تطوعي، حيث يقتصر دورها على كشف رقم المبتز"، تقول الحريري.
وتضيف أن التكتل عمل على تدريب القضاة في النيابات والبحث الجنائي على الأمن السيبراني والابتزاز الإلكتروني، وتجهيز الشعبة التي يشرف عليها المحامي العام الأول للجمهورية، القاضي فوزي علي سيف، إلا أن عدم وجود تشريع خاص بالجرائم الإلكترونية يمثل عائقًا أمام هذه الجهود.
وتطمح المحامية العدنية إلى إعداد مسودة قانونية تتعلق بالجرائم الإلكترونية ورفعها إلى مجلس القيادة الرئاسي، تمهيدًا لإصدار قانون بهذا الشأن، في مسعى لمساعدة السلطات العدلية في فرض عقوبات محددة ورادعة، على خلاف قانون الجرائم والعقوبات الحالي.
فيديو المحامية عفراء الحريري
شكاوى وصعوبات
بلغ عدد الشكاوى المنظورة أمام شعبة مكافحة الابتزاز الإلكتروني 30 شكوى، منها 17 تم رفعها إلى النيابات المختصة بعد استكمال جميع الإجراءات، فيما تبقى 13 حالة لم تستكمل فيها الشعبة جميع التفاصيل، وفق مدير عام تقنية المعلومات في النيابة العامة، نبيل حميد.
يقول حميد إن الشعبة تواجه صعوبة في التحقق من هوية المبتز، نتيجة المراسلة من حسابات وهمية، وعدم توفر تقنيات حديثة تساعد في التحقق من جميع الحسابات، فضلًا عن انقسام شركات الاتصالات بين الحكومة المعترف بها وجماعة الحوثيين المعروفين بـ"أنصار الله".
وتسعى النيابة العامة، بالشراكة مع تكتل "نون"، لتجاوز انقسام شركات الاتصالات بين صنعاء وعدن، للحصول على برنامج مزود بالذكاء الاصطناعي لتتبع الاتصالات من خلال روابط معينة أو رسائل، وصولًا إلى الحسابات البنكية للمبتز.
ونظرًا لتكلفة البرنامج الباهظة، يتطلب توفيره للشعبة المتخصصة بمكافحة الابتزاز تدخل المانحين، وفق مدير وحدة الاتصال الدولي والتنسيق مع المنظمات في مكتب النائب العام، عيسى قائد.
آلية شكاوى موحدة
أطلقت مؤسسة "عدالة للتنمية القانونية" مشروعًا لتعزيز مكافحة جرائم الابتزاز الإلكتروني في محافظة حضرموت، شرقي البلاد، تهدف من خلال أربع مراحل، إلى رفع قدرات السلطات الأمنية وتجهيزها بأدوات حديثة تمكنها من أداء مهامها، وفق المدير التنفيذي للمؤسسة، نهى بن سهيلان.
"المشروع، الذي جاء نتيجة لتشتت الجهود التطوعية الموجودة حاليًا بالمحافظة، يهدف أيضًا إلى تنفيذ حملة مناصرة للتوعية حول الابتزاز من الناحية القانونية والنفسية والاجتماعية والتقنية، وصولًا إلى تحديث آليات الشكاوى القديمة، عبر عقد ورشة عمل لجميع الجهات المعنية للخروج بآلية شكاوى موحدة تعزز ثقة الضحايا وتضمن حماية خصوصياتهم"، تقول.
جهود تطوعية
وتكافح المحامية الحقوقية المهتمة بقضايا الابتزاز، تهاني الصراري، منذ أربع سنوات مع مختصين وناشطين في مجال الأمن السيبراني، لمساعدة ضحايا الابتزاز الإلكتروني في تدخلات متعددة الأوجه، قبل تحويلها إلى الجهات المتخصصة.
تقول الصراري إنها بدأت عام 2021 كمتطوعة بمنصة "سند" المتخصصة في كشف المبتزين، حيث تعمل على استقبال الشكاوى وتحويلها إلى الجهات المختصة. وقد تمكنت من حل بعض القضايا بشكل شخصي وودي عبر الأسر، في حين أحيلت قضايا أخرى إلى البحث الجنائي وأقسام الشرطة والنيابة العامة.
ورصدت منصة "سند" 25 ألف حالة ابتزاز إلكتروني منذ عام 2020، تشمل جميع أشكال الابتزاز، بما في ذلك ابتزاز النساء والشباب والمؤسسات التجارية والسياسيين، وفقًا للمحامية الصراري.
قسمت دراسة أصدرها مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية بعنوان "تداعيات الابتزاز الإلكتروني على النساء"، يوليو/تموز 2023، دوافع الابتزاز الإلكتروني إلى ثلاثة أنواع: (مادي، جنسي وانتقامي).
وتؤكد الدراسة أن الدافع الجنسي هو أخطر دوافع الابتزاز، حيث يسعى المبتز للحصول على خدمات جنسية من الضحية مقابل السكوت عن نشر صورها، وصولًا إلى إقامة علاقة جنسية دون رضاها، ما يعد أكثر الممارسات اللا أخلاقية في العالم.
نُشرت هذه المادة في منصة هودج، صحيفة الوطن توداي تعيد نشرها بناء على مذكرة تفاهم مشتركة تتعلق بنشر المواد الصحفية التي يتم إعدادها في إطار مشروع "يمانيات".