عندما تنتصر المرأة: القضاء كملجأ لرد الاعتبار في الفضاء الرقمي

في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في اليمن، برزت ظاهرة مقلقة تتمثل في العنف الرقمي الموجه ضد النساء، خاصة الناشطات والقياديات المجتمعيات. وتتخذ هذه الظاهرة أشكالاً متعددة من التشهير والابتزاز والتهديد، بهدف إسكات أصواتهن وتقويض دورهن في المجتمع. إلا أن بعض النساء اخترن عدم الصمت، ولجأن إلى القضاء لرد اعتبارهن وانتزاع حقوقهن، في تأكيد على أن الفضاء الرقمي ليس ساحة مستباحة للمعتدين.
يسلط هذا التقرير الضوء على تجربة الدكتورة ألفت الدبعي، كنموذج بارز في مقاومة العنف الرقمي عبر المسار القانوني، وكيف يمكن أن تشكل تجربتها مصدر إلهام لنساء أخريات، مع استعراض للتحديات والفرص المتاحة في هذا السياق.
اللجوء للقانون
واجهت الأكاديمية والناشطة السياسية، الدكتورة ألفت الدبعي، حملات تشهير وتحريض ممنهجة. لم تتراجع، بل قررت المواجهة عبر القضاء، في خطوة أرادت من خلالها إرساء سابقة قانونية وأخلاقية.
عن دافعها تقول الدكتورة ألفت في حديثها لـ "هودج": "رأيت أن اللجوء للقانون هو الطريقة والوسيلة الوحيدة لإلجام هذه الأصوات التي أصبحت ظاهرة في مجتمعنا اليمني، وظاهرة سلبية جداً، الهدف منها إرهاب النساء، قمعهن، محاولة فرض سردية معينة لها علاقة بالقيم الأخلاقية وتنميط المرأة."
وتضيف: "تجربتي في التقاضي جاءت من قناعة شخصية بأن اللجوء إلى القانون هو الوسيلة الحضارية والوحيدة التي تليق بمن يحمل هم التغيير في مجتمع يريد أن ينتقل إلى دولة مؤسسات."
كانت رحلتها القضائية طويلة وشاقة، حيث خاضت عدة معارك متزامنة. بدأت في عام 2022 ضد صحيفة "أخبار اليوم" ورئيس تحريرها سيف الحاضري وكاتب المقال الصحفي محمد إسماعيل العمراني، بعد نشر مقال مسيء، لتنتهي القضية بصلح مع سيف الحاضري بعد تقديمه اعتذار، فيما واصلت التقاضي مع الصحفي العمراني وكان للقضاء الفصل وذلك بأن أصدرت المحكمة حكمًا بسجن الكاتب سنة مع النفاذ، وتعويض مدني للدكتورة.
وفي عام 2023 رفعت قضية ضد الصحفي غمدان أبو أصبع، لتنتهي القضية بصلح رسمي بعد أن اعترف أبو أصبع بخطئه وقدم اعتذارًا صريحًا، أشار فيه إلى أن ما نشره كان استنادًا لمعلومات مضللة، لا أساس لها من الصحة، مع التزامه بعدم تكرار الإساءة ونشر الاعتذار عبر نفس المنصات التي استخدمها سابقًا في نشر الادعاءات، ثم مؤخراً في يوليو 2025
برزت قضيتها مع الصحفي عبد العالم بجاش بعد نشره منشورات عبر صفحته على الفيس بوك تعرض فيها للدكتورة، لتقوم برفع قضية، لكن إجراءات التقاضي لم تكتمل وذلك بعد أن تم التوصل لصلح تم بموجبه تقديم اعتذار رسمي من الصحفي ونشره عبر صفحته على الفيس بوك مع تغريمه مبلغ 10 مليون ريال لصالح مركز السرطان في تعز، وتكاليف المحامي التي دفعتها الدكتورة ألفت للمحامي في القضية.
وعن التحديات التي واجهتها توضح الدكتورة ألفت: "العوائق التي وجدتها يمكن هي إجراءات التقاضي البطيئة جداً في الواقع اليمني، بعض القضايا التي خضتها، والتي كان أصحابها لم يدخلوا معي في صلح سريع، أخذت مني ما يقارب السنتين".
وتضيف: " إن هذا البطء يمثل خطرًا حقيقيًا كونه يتيح فرصة للمبتزين والمشهرين بأنهم يتقووا أكثر ويستمروا في عملية ابتزازهم."
ترسيخ ثقافة القانون
لم يكن هدف الدكتورة ألفت من هذه المعارك القانونية مجرد الانتقام الشخصي، بل كان إرساء مبدأ أعمق. فعندما صدرت أولى القرارات لصالحها، كان شعورها بالإنجاز دافعًا للاستمرار.
تقول: " إن شعور مثل هذا بالإنجاز، وبأن الخطوات التي مشيت فيها كانت صحيحة وسليمة، كان يعطيني دافع أقوى بأن أستمر في هذا المنهج. منهج تعزيز ثقافة القانون، التي ستخلق ثقافة اجتماعية جديدة، وهي أحد عوامل بناء الدولة التي ننشدها."
وتضيف: "كان هدفي أن أوصل رسالة أن هناك عقوبة في القانون اليمني، وقضايا السب والتشهير هي قضايا جنائية يستحق من يمارسها العقوبة، بالإضافة إلى أن تركيزي كان بدرجة رئيسية على الحد من ظاهرة استهداف النساء وإبعادهن وإضعاف موقفهن في المجال العام، الذي هو هدف هؤلاء المشهرين."
أسلحة قانونية قديمة
في ظل غياب قانون خاص بجرائم تقنية المعلومات، تُشكّل النصوص القانونية التقليدية الملاذ الوحيد للملاحقة. تقول المحامية والباحثة القانونية المتخصصة في قضايا المرأة، الدكتورة هبة عيدروس، في تصريح لـ "هودج": "القوانين العامة مثل قانون الجرائم والعقوبات لعام 1994، وقانون الصحافة والمطبوعات لعام 1990، ما يزال تُستخدم كأساس قانوني للتقاضي، رغم تقادمها وعدم مواكبتها للتحولات الرقمية".
وتضيف: "لقد شكّلت قضايا الدكتورة ألفت الدبعي مثالًا تطبيقيًا مهمًا في توظيف هذه القوانين لمواجهة حملات التشهير الرقمية، وأسفرت عن أحكام قضائية لصالحها، مما يعزز من جدوى استخدام الأدوات القانونية المتاحة رغم محدوديتها".
وبحسب عيدروس، تستند الجريمة الرقمية إلى ثلاثة أركان رئيسية: الركن الشرعي المتمثل في وجود نص يجرّم الفعل، والركن المادي الذي يظهر في السلوك الضار الموجه ضد حق قانوني مشروع، والركن المعنوي الذي يتمثل بالقصد الجنائي والنية المتعمدة للإضرار.
وتشير إلى أن القذف الرقمي مثلًا يتطلب توافر أربعة شروط: وجود قول أو منشور محدد، احتواؤه على ادعاء كاذب، إلحاقه ضررًا ماديًا أو معنويًا، ووصوله لطرف ثالث.
ورغم وضوح الأركان، توضح عيدروس أن إثباتها أمام القضاء اليمني يواجه تحديات كبيرة، منها صعوبة توثيق المحتوى الرقمي قبل حذفه أو تعديله، أو استخدام الجناة لحسابات وهمية، إضافة إلى ضعف الإمكانيات التقنية لدى أجهزة التحقيق والقضاء، وغياب آليات فنية لحفظ البيانات الرقمية أو تتبعها عند الحاجة القضائية.
لا تتركن حقوقكن
بناءً على تجربتها، تقدم الدكتورة ألفت نصيحة مباشرة لكل امرأة تتعرض للعنف الرقمي: "نصيحتي للنساء ألا يسكتن عن أي حق من حقوقهن. ومن تتعرض لتشهير وسب وقذف، أول ما تبدأ به هو استشارة محامي، ثم تبدأ بالتحرك لرفع قضية.
مؤكدة على أن القانون اليمني، يمنع السب والقذف، حتى إذا كانت هذه الصفة موجودة في الشخص الذي تمارس عليه عملية السب، مشيرة إلى أن الرد على الإساءة بمثلها يُضعف الموقف القانوني."
وتختتم برسالة قوية: "أنصح أي امرأة لا تترك حقها، ولا تصمت، لأنه من أمن العقاب أساء الأدب. والدفاع عن الكرامة واجب كل إنسان، وإذا لم نستطع أن ندافع عن كرامتنا، لن نستطيع أن ندافع عن هذا البلد".
من جانبها تطرح عيدروس مجموعة من الحلول التي ترى أنها ضرورية، على رأسها: إصدار قانون خاص بجرائم تقنية المعلومات، وإنشاء وحدات رقمية داخل أجهزة الأمن والنيابة، وتدريب الكوادر على آليات التحقيق الرقمي، وإلزام الشركات المزودة بالإنترنت بحفظ البيانات، إضافة إلى خلق بيئة قضائية آمنة تشمل وحدات نسوية متخصصة، وأمنيات مدرّبات على التعامل مع الناجيات من العنف الرقمي.