من الزمن الجميل .. هند رستم في ضيافة الكاتب عباس محمود العقاد

صورة تجمع رستم و العقاد - انتيكا

منصة انتيكا / متابعات :

نشرت صفحة انتيكا على منصة فيس بوك تحليلا فنيا من الزمن الجميل عن لقاء العقاد و هند رستم الذي كان تحت عنوان لقاء العقل والاغراء .... وقال كاتب التحليل : انا أرى أنه لقاء العقل والعقل.


في 18 ديسمبر 1948، نُشر حوار بعنوان «لقاء بين العقل والإغراء»، عندما طلبت مجلة «آخر ساعة» إجراء حوار مع الكاتب عباس العقاد، مع إحدى الفنانات الثلاث: ماجدة، هند رستم، وفاتن حمامة، فاختار العقاد وقتها هند رستم لإجراء الحوار معها.


وفي اليوم المُحدد، ذهبت هند رستم إلى بيت العقاد، بحي مصر الجديدة، مُرتدية فستانًا أسود يلفت وقاره الأنظار، بينما وضعت على كتفها فروًا أبيض، وتركت وجهها وعليه نفس العلامات، علامات الخوف الذي وصل إلى درجة أنها قالت للصحفي المُرافق لها، كمال سعد، إنها تخشى كثيرًا مقابلة العقاد.


وعندما سألها كمال سعد عن ذلك، قالت: «إن المقابلة في يوم 13، وهو يوم أهرب منه وأتشاءم منه ولا أمثل فيه بالمرة حتى لو أخذت مليون جنيه في المشهد. وقد وصل تشاؤمي من هذا اليوم إلى درجة أنني قرّرت أن أنتقل من شقتي في الزمالك لمجرد أنها تحمل رقم 13».


ورد عليها ضاحكًا: «وماذا لو عرفت كذلك أننا ذاهبان للبيت رقم 13؟ وكادت تصرخ وهي تقول: (يامصيبتي.. هو العقاد ساكن في رقم 13؟)».


وقبل إجراء الحوار، لم تنم هند طوال الليل، وذهبت وهي تفرك أصابعها، قائلة: «أتصوّر الفرق الضخم بيني وبين هذا الرجُل»، وأضافت: «هو يجلس على قمة تجارب البشرية كلها، ويضع الفلسفة الإنسانية داخل برشامة في رأسه، وأنا كُل تجاربي معدودة في الحياة».


وبجُرعة اطمئنان كبيرة، قال الصحفي لهند إن أجمل ما قيل عن ملكات الإغراء في العالم، صدرَ من العباقرة، وأبرزهم الروائي ألبرتو مورافيا، قال لممثلة الإغراء، كلوديا: «إني أرى فيك ظمأ الحياة، ظمأ نقيًّا بريئًا يكره التعقيد».


وبابتسامة لطيفة، استقبل العقاد هند والصحفي كمال سعد، أمام منزله، مُرتديًا ملابسه التقليدية دون أن يستغني عن الطاقية الصوف والكوفية.

وروى الصحفي كمال سعد تفاصيل ذلك اللقاء، كما سجله على صفحات مجلة «آخر ساعة»، ونعيد نشر مشاهد منها


وبمجرد جلوسنا قال لها أستاذنا العقاد: «تعرفي يا أستاذة هند إنك نجمي المفضّل؟»، فقالت له، وهى لا تكاد تصدق ما تسمعه بأذنيها: «ياه! للدرجة دى؟». رد عليها العقاد، قائلاً: «وأكثر.. فقد اكتشفت الآن أن الحقيقة أروع من الخيال.. فأنا أهنئك بالموهبة الطبيعية والوجه المعبر، فأنت في رأيي لستِ ملكة الإغراء ولكنك ملكة التعبير، لأن الإغراء عملية حسية، عملية رخيصة، لكن التعبير عملية نفسيّة تخاطب العقل، والوجه المعبر في رأيي أهم من الوجه الجميل».


وأضاف العقاد: «عندما رأيتك لأول مرة فى فيلم (شفيقة القبطية) ذكرتيني بأول مرة رأيت فيها انجريد برجمان، كان عمرها 22 سنة، وكانت صريحة وطبيعية مع انفعالاتها، ولذا في رأيي أقرب إنسانة إلى سارة، ولذا أنا أرشحك لتمثيل هذا الدور».


وبعد مناقشات طويلة بين العقاد وهند رستم، عن طبيعة العلاقة بين الرجُل والمرأة وضرورة وجود كل منهما في حياة الآخر، سألت هند، العقاد: «واضح إن الأستاذ بيحب المرأة جدًّا».


وانفجر العقاد فى ضحكة من أعماقه وهو يقول: «جدًّا»، ثم عاد بظهره إلى الوراء على الكنبة التى كان يجلس عليها، ووضع ساقًا فوق ساق، وقال لها: «ومين قال إني عدو المرأة؟ ده كلام فارغ»، وأضاف: «أنا بحب المرأة الطبيعية، لكن المرأة اللى نسخة تانية من الرجل، أعمل بيها إيه؟».


وفي المشهد الثالث، صارحت هند رستم، العقاد بأنها ترغب في زيارة بيت الله، ثُم استأذنت في إشعال سيجارة، قائلة: «فيه حاجة شاغلة بالي الأيام دي، أنا عايزة أزور بيت الله، فهل حرام أن الفنان يزور بيت الله ويرجع يشتغل فى السينما؟».


وأسرع العقاد يقول لها: «أبدًا، لا حرام ولا حاجة»، مُضيفًا أن الفن غير محرّم مطلقًا، لكن الخلاعة مُحرمة، ناصحًا إياها بزيارة بيت الله: «لا تستمعي لكلام أى واحد يشكك في هذه المسألة».


صمتت هند رستم بعدها للحظات، ثُم عادت لتسأل «أنا مؤمنة بالله، لكن الحاجة الوحيدة اللي بخاف منها الموت، ليه؟»، فأجابها العقاد بكل هدوء قائلاً: «أنا شخصيًّا لا أخاف الموت، ولو شرّف في أى وقت أقول له اتفضل، ويمكن الشيء الوحيد اللي بخاف منه هو المرض».


لم تقتنع هند بإجابة العقاد، واحتجت قائلة: «يمكن لأنك ما اتجوزتش قبل كدة ومعندكش أولاد»، فنفى العقاد أن يكون ذلك هو السبب، فأتت هند بالدليل: «إنت قلت مرة إنك خايف من الجواز لأنك خايف تترك أولاد يتامى من بعدك.. وأنا عندى بنت وخايفة عليها».


وبحكاية بسيطة، أجاب العقاد عن تساؤلها: «مش ده السبب، دي علة، حتعللى بيها دايمًا رغبتك فى الحياة.. وأنا أذكر إن جدتي عاشت إلى أن تجاوزت المائة.. وكانت متعلقة فى هذه السن بالحياة من أجل حفيدتها بدور».


وفي سياقٍ آخر، بعيدًا عن أحاديث الموت، سألت هند رستم، العقاد عن رأيه في مارلين مونرو: «هل هي مُغرية أم معبرة؟»، فقال: «مارلين مونرو كانت هي الإغراء، لأنها أنثى ناقصة تكوين، وأمها مجنونة، ولذا فكل الذى كانت تفعله عبارة عن تعويض لشعورها بنقص الأنوثة».


وأضاف: «مارلين عبارة عن امرأة عايزة وسائل تجلب بها الأنظار، وعايزة تثبت أنوثتها بأي طريقة.. لدرجة أنها فى سبيل أن تكون أنثى رضيت برجل يهودي وغيرت دينها وتزوجته، وأنا رأيت لها صورًا كثيرة، وفى الواقع إنها مبالغة جدًا فى حركاتها، ولو كانت واثقة من أنوثتها لكان ربع هذا المجهود فى الإغراء يكفي».


قاطعتهُ هند لتدافع عن مارلين التى رأتها مظلومة قائلة: «لكن يا أستاذ عقاد ده مش ذنبها، فيه مخرجين بيفرضوا عليها الحركات دى.. والمخرجين عندنا مثلًا، لو شافوا إن هند ناجحة فى الإغراء، فلازم الممثلات اللي ييجوا بعدها لازم يكون شعرهم أصفر زى هند، ويقلدوها فى كل الحركات.. الممثلة بتبقى فى اللحظة دى مسكينة، ومظلومة من حكم الناس عليها».


وبمُجرد انتهاء المناقشات بين هند رستم والعقاد، خرجت لتقول رأيها فى هذه المقابلة فى جملة واحدة: «سأرسل باقة أزهار إلى العقاد وعليها نفس الكلمات، نفس المعانى التى شعرت بها: (لن أنسى فى حياتى طعم هذه المقابلة)».