الإمارات تحدّث نظامها الاجتماعي وتغيّر عدة قوانين بينها قوانين التحرّش والكحول
تسعى الإمارات من خلال تغييرات جوهرية أدخلتها أخيرا على مجموعة من القوانين، الى تحديث أنظمتها الاجتماعية بشكل يتلاءم مع صورة الدولة التقدمية التي تسعى إلى إبرازها، الأمر الذي يلاقي ترحيبا بين المقيمين الأجانب في الدولة التي يشكل هؤلاء غالبية سكانها.
وتناولت هذه الإصلاحات مواضيع شائكة إجمالا ذات مقاربة محافظة وقوانين هي إجمالا غير مطبقة، لكنها تشكّل محور اهتمام المقيمين الأجانب الذين يخشون مخالفتها ما قد يكلّفهم عملهم او إقامتهم في الإمارات. فقد ألغت الإمارات مثلا مادة قانونية تسمح بتخفيف العقوبة في ما يعرف بـ"جرائم الشرف"، ليصبح بذلك التعامل مع هذه الجريمة التي تثير سجالات كبيرة في العالم العربي مماثلا لأي قضية قتل أخرى في الدولة الخليجية.
وشملت التعديلات السماح لغير المتزوجين بالإقامة معا، وعدم تجريم محاولات الانتحار، وتشديد ملاحقة المتحرشين بالنساء، وإلغاء أي عقوبات على مسألة تناول الكحول، وفق ما ذكرت وسائل إعلام محلية. ويقول الباحث في معهد الشرق الأوسط جيمس دورسي لوكالة فرانس برس "إنها ضربة علاقات عامة ذكية للغاية" في دولة يشكّل الأجانب 90 بالمئة من سكانها.
وتقول بريطانية مقيمة في دبي (32 عاما) لوكالة فرانس برس "كنت أشعر بالقلق في شأن إقامتي مع شريكي"، مضيفة "وكذلك بالنسبة الى استهلاك الكحول، فديانتي تسمح لي بذلك. ورغم ان العقوبات على استهلاك الكحول لم تكن تطبق بشكل عام، لكننا كنا دائما مترددين". وعملت الدولة الخليجية الغنية بالنفط في السنوات الأخيرة على تعزيز أذرع قوتها الناعمة من خلال استضافة أحداث رياضية عالمية وإطلاق برامج فضاء ناجحة وتدشين محطة للطاقة النووية السلمية.
كما أقدمت على تطبيع العلاقات مع إسرائيل مؤخّرا، بعد سنوات من قيامها بدور طليعي في الدعوة إلى التركيز على أهمية التعايش بين الأديان المختلفة. وتسعى الإمارات الى لعب دور أكبر على الساحة الدبلوماسية العالمية وإلى تعزيز صورتها كمحطة آمنة في منطقة غالبا ما تعاني من التطرف والصراعات الدينية.
"بيئة آمنة"
بالنسبة للإماراتيين الذين غالبا ما يعبّرون عن ثقتهم المطلقة بحكّامهم، تهدف هذه الإصلاحات إلى جذب المزيد من المواهب لتعزيز مكانة الدولة الاقتصادية والاجتماعية في وقت تتراجع أسعار النفط في خضم أزمة فيروس كورونا المستجد. وذكرت وكالة الأنباء الحكومية "وام" أن المراسيم الرئاسية الجديدة تهدف "إلى ترسيخ التزام دولة الإمارات بأهمية توفير بيئة تشريعية تتوافق مع تعددية الثقافات والتزام الدولة ببناء بيئة اجتماعية واقتصادية تنافسية وآمنة".
وبحسب مراقب سياسي في الإمارات فضّل عدم الكشف عن هويته كون القوانين لم تُنشر في الجريدة الرسمية بعد، فإنّ "هذا أفضل خبر" في سنة 2020 "منذ الاتفاق مع إسرائيل" على تطبيع العلاقات في أيلول/سبتمبر الماضي. ورأى أنّ الخطوة "تساعد على تعزيز صورتنا، لكن الفكرة الأساسية هي تسهيل حياة السكان". ولم يتضح بعد ما إذا كانت التشريعات الجديدة ستؤثّر على قوانين أخرى نادرا ما يتم تطبيق عقوباتها، بما في ذلك تلك التي تحظر السلوك الجنسي المثلي والحمل خارج إطار الزواج. على مواقع التواصل الاجتماعي، رحب العديد من المغتربين بالتغييرات في الدولة المعروفة بتنوع اقتصادها وقطاعها السياحي الذي يستقطب ملايين الزوّار سنويا.
"الإسلام السياسي"
وعلى الرغم من أن جرائم "الشرف" نادرة في الإمارات، ونادرا ما تتم مقاضاة أحد على خلفية المساكنة أو تناول الكحول بدون ترخيص، فإن تعديل القوانين خطوة مهمة في دولة تمارس نوعا من الرقابة غير المعلنة. وتقود الإمارات جهود محاربة "الإسلام السياسي" في العالم العربي ولا تتسامح مع التطرف، وقد وضعت قيودا منذ فترة طويلة على الخطاب الديني في مساجدها وفي وسائل الإعلام.
ودافع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجيّة أنور قرقاش أخيرا عن موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خلفيّة الانتقادات التي تعرض لها بعد تصريحاته حول الإسلام المتطرف وحق نشر رسوم كاريكاتورية في إطار حرية التعبير. وقال في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت الألمانيّة" "يجب الاستماع إلى ما قاله ماكرون فعلاً.... هو لا يريد عزل المسلمين في الغرب، وهو محقّ تماماً"، معتبرا أن على المسلمين أن يندمجوا بشكل أفضل في المجتمع الفرنسي، وأنّ من حقّ الدولة الفرنسية البحث عن طرق لتحقيق ذلك بالتوازي مع مكافحة التطرّف والانغلاق المجتمعي. ويقول دورسي عن القوانين المحدّثة في الإمارات، إنها "انعكاس للنزعة الليبرالية والتسامحية التي تريد الإمارات إظهارها طوال الوقت".