نساء من اليمن يروينَّ تجاربهن وأثر الحرب الدائرة عليهنَّ

الصحفية ابتهال الصالحي و الناشطة السياسية منى هيثم .

نور سريب / وكالة انباء المرأة :

على مدى سنوات وحياة النساء اليمنيات تهوي إلى منحدر آخر أكثر سوداوية من السابق، ناهيك عما عشنه في فترة اشتعال الحرب في بعض المدن مثل عدن وحضرموت ولحج، تلك الماسي رسمت حياة جديدة.

عدد من النساء تحدثنَّ لوكالتنا "وكالة أنباء المرأة" عن أثر الحرب على حياتهنَّ الشخصية.

الصحفية ابتهال الصالحي قالت "تركت الحرب في النفوس جروح غائرة لن تنسى بسهولة، بنظري النساء أكثر المتضررين من هذه الحرب العبثية التي لا نكاد نرى لها نهاية... بعيداً عن كوني ابنه وزوجه وأم تستولي عليها أحاسيس الخوف والهلع من مصير أبي الطاعن بالسن إذا مرض أين سأتوجه به، والحرب قضت على البنية التحتية في مجال الصحة، وبات القلق يتملكني كلما رن جهاز الهاتف ربما تعرض أخي للاعتقال أو زوجي للقتل في شجار عبثي بين مسلحين ألبسوهم سلاح يتجاوز حجمه ثلثي حجمهم، ومع أنه ليس بطرف لكن الرصاص المجاني المجنون كان من نصيبه".

وتضيف "تتملكني الحسرة كلما نظرت إلى أطفالي ومستقبلهم الأشد ظلمة من عتمة الحرب؛ التي قضت على أحلامنا ومستقبل أطفالنا ... الحرب أتت على كل من لا يعد طرفاً فيها، سحقت تحت رحى نيرانها أحلام البسطاء في الحياة، وبات اليوم وغداً أكثر رعباً كنتاج طبيعي لحرب قضت على الأخضر واليابس".

وأشارت إلى تأثير الحرب على عملها "كإعلاميه قلبت الحرب مستقبلي المهني رأساً على عقب، وبت أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما أن أبدل القلم ببوق عالي الصوت لصالح طرف من الأطراف المتحاربة على رؤوس الناس، وأغض الطرف عن كل ما يحدث من انتهاكات صارخة؛ لأنعم برغد العيش وبصك الوطنية، وإما أن أحيد عن كل المغريات واتمسك بقلمي ومبادئي وقبلها بضميري وقيمي وأقف في صف الملايين من الشعب، وعندها لعل غداً يحمل لي إما الاعتقال والتخوين أو في أحسن الأحوال يتم إقصائي وأنضم لـ "حزب خليك بالبيت".

تؤكد الصحفية أن الحرب غيرت الكثير من أهدافها في الحياة "تحولت تطلعاتي من مزيداً من النجاح والعمل المهني والتدريب وبناء قدراتي إلى حلم أن أتسلم راتبي كل شهر دون انقطاع، وأن أحظى بخبر حصري عن عدد القتلى والجرحى والمفقودين والمعتقلين مع أي طرف من أطراف الحرب الملعونة".

تقول عن أحد المواقف التي تعرضت لها خلال عملها الصحفي "حاولت أن أمارس مهنتي بكل حيادية وشرف، في أحد المواقف التي كدت أن أخسر فيها حياتي ووقفت وحيدة وحمّلت أسرتي وأصدقائي عبء إضافي في محاولات يائسة لعلاجي وعودتي للوقوف على قدمي، ولاحقاً ومتأخراً عرفت أن كل جرمي أنني لم أقف متفرجة على انتهاكات تمارس على الحجر قبل البشر، وأن جرمي الأكبر كان أنني لا أنتمي لفصيل أو حزب أو طرف من أطراف الحرب، وبات انتمائي للوطن أكبر عائق منع مد يد العون لي ولآلاف من جرحى وضحايا الحرب".

وتختم ابتهال الصالحي حديثها بالإشارة إلى أن الحرب أثرت على حياتها وأحلامها بشكل كبير "ببساطة قضت الحرب على كل حلم وأمل، ونحتاج إلى عمر إضافي كي نمحو الجراح والندوب التي ترسخت في أعماقنا، ومشاهد الألم التي غطينا أحداثها في عيون الأمهات وأطفال القتلى والمشردين أو المعتقلين". 

الكاتبة الصحفية عبير واكد تقول عما عاشته خلال الحرب "عندما سقط ساحل حضرموت تحت سيطرة تنظيم القاعدة في مطلع نيسان/أبريل 2015، تلقيت تهديد لأوقف نشاطي الصحفي، شعرت بالخوف جراء الاعتقالات التعسفية التي طالت زملائي وقتها، عام كامل وشعور الخوف المبالغ فيه لا يفارقني، وحتى بعد التحرير".

تؤكد أن العمل الصحفي بات تماماً مثل الحزبية بفعل تيارات الحرب السياسية "كوني صحفية مستقلة لم أحظى بفرصة عمل لوقت طويل جداً، ما أدخلني في صراع بين قيمي ومبادئي والحصول على فرصة عمل في المجال الصحفي".

وأشارت إلى حياتها خلال الحرب "كسائر النساء تأثرت بآثار الحرب، فكنت انشغل بتعبئة الماء وابتكار وجبات لا تحتاج إلى أسطوانة غاز، والقيام بالعديد من الأعمال التي قمنا بها مجبورين نظرًا لانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، فأصبت بحالة من الشتات، كنت لا أقوى على الإنتاج الفكري بتاتاً".

من جانبها قالت الناشطة السياسية منى هيثم "الحرب اليمنية أوقفت عجلة تنمية المرأة في شتى المجالات، وانتهكت حقوقها التي كفلها الدستور اليمني، وأقرها المجتمع الدولي في نهج الاتفاقيات والقرارات الأممية المعنية بتنمية وحقوق المرأة ووقعت عليها الحكومة اليمنية...الحرب حصرت جهود النساء في الوقاية من آثارها، وعطلت التفكير بطموحهنَّ واستشراف مستقبل طموحهنَّ، خاصة وأن أطراف النزاع في اليمن تمعن في تعطيل ونفي كل السبل التي تمكن المرأة من الحضور الفعلي في تشاوراتهم لسماع صوتها وطرح موقفها من حربهم، وما تسببوا به من مصير مأساوي للشعب اليمني عامة". 

وشاركتنا المدافعة عن حقوق الإنسان المحامية غادة فضل تجربتها مع الحرب التي وصلت نيرانها الى مدينة عدن قائلة "لقد أثرت الحرب عليَ بشكل كبير، حيث أجبرتني ظروف الحرب في بداية عام 2015 على البحث عن عمل لتوفير مصدر دخل، خاصة وأني كنت أعمل بمهنة المحاماة، وكنت المصدر الرئيسي لتوفير حياة كريمة لي ولأسرتي، إلا أنه بسبب الحرب توقفت المحاكم وتعطل عمل القضاء وبالتالي توقفت عن ممارسة عملي".

خسارتها لعملها أثرت عليها بشكل كبير كما تقول "أثر ذلك على حياتي بشكل كبير حيث أصبحت أشعر بالعجز وبأني عبئاً على كاهل أسرتي، وزاد الأمر سوءً عندما فقدت شقيقي في جبهات القتال واضطررت للنزوح والخروج بأسرتي إلى مكان آمن".

تؤكد أنها تحملت المسؤولية لوحدها بعد موت شقيقها ووالدها "تحملت مسؤولية توفير المسكن والغذاء في ظل فقدان الأب والأخ، لم يكن هناك أي خيار أمامي سوى النزوح إلى محافظة حضرموت التي لم تكن أقل خطورة من محافظة عدن، حيث كانت تقع تحت سيطرة تنظيم القاعدة، وهناك قمت بالبحث عن العمل أنا وشقيقتي حتى نتمكن من دفع تكاليف إيجار المنزل وتوفير مبلغ تحسبا لنزوح آخر في حال انفجار الوضع في حضرموت".

وعن آثار النزوح التي شتت أسرتها تقول "النزوح شتت الأسرة ما بين أخوة في جبهة القتال وفقدان أخ وانقطاع التواصل، كل ذلك أثر على وضعي النفسي؛ بسبب كل ما مررت به من ضغوط في ظل غياب عائلي يساندني في تحمل المسؤولية خاصة وأني في منطقة نزوح لا تتقبل المرأة".

تؤكد غادة فضل أن وضعها تحسن بعد استقرارها في عدن "اليوم الوضع أحسن في عدن عدت لمنزلي وإلى عملي ولكن استمرار الحرب لازال يجعلني أشعر بالقلق على حياتي وحياة أسرتي، لا أريد أن تعود المواجهات المسلحة مجدداً إلى داخل مدينة عدن، أخشى أن أفقد أحد أفراد أسرتي مجدداً بسبب هذه الحرب العبثية التي لازالت آثاراها تؤرق منامي في كل يوم".

ومنذ عام 2015 اشتعلت الحرب في اليمن والتي بدأت بين جماعة الحوثيين وحكومة علي عبد الله صالح، وما بين القوات الحكومية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي وقوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ونتيجة لهذه الحرب شهد اليمن أكبر أزمة إنسانية في القرن الواحد والعشرين، وقد وصل عدد اليمنيين المحتاجين لمساعدات إنسانية فورية في عام 2019 لأكثر من 80 بالمئة بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، كما أن الأمراض المعدية كالكوليرا انتشرت في البلاد وحصدت مئات الارواح، وحتى اليوم لا يوجد طريق للحل وإنهاء الحرب.