نحن في أمس الحاجة إلى فهم حقيقي لمعنى ومغزى وروح وجوهر الثقافة

كانت الثقافة في غابر الأزمان القديمة مرادفة لمعنى الحضارة .. فالثقافة ليست تراكم معرفي وكم معلوماتي وخبرات مكتسبة فحسب بل هي سلوك وأخلاق وإصلاح وتهذيب وتربية وتعليم وذوق رفيع وفن وجمال وجلال ومدنية وتحضر وكل هذه الخصال والسلوكيات الإنسانية الرفيعة والراقية والسامية هي ضد التوحش والهمجية والأنانية الضيقة والمزاجية والتعسفية وهي ضد القبح والبشاعة والعنصرية البغيضة والمصلحة الضيقة التي تميل إلى الأثرة وتكره الإيثار وتتصف بالقمع والقهر والاستبداد والديكتاتورية التي شعارها أنا ومن ورائي الطوفان ولا ترى في المرآة الاصورتها النرجسية فقط ولاتكترث أو تهتم بأي آراء أو حقوق أناس آخرين مختلفين عنها أو تسمع لهم أوتأخذ بآرائهم إن كانت صائبة. 

فالثقافة هي كل إنجازات الإنسان في أي بقعة أو مكان او مجتمع أو شعب أو أمة من العالم وهي كل خبراته ومكتسباته وإبداعاته في كافة مجالات الحياة العلمية والمعرفية والفكرية والثقافية والفنية الشعبية منها والرسمية وهي كل همومه وتطلعاته وآماله وآلامه وتحدياته وطموحاته ومشاريعه المستقبلية وهي كل أحلامه ومشاعره وكل أحاسيسه ووجداناته وهي على سبيل المثال في أوطاننا العربية والإسلامية جزء من هويتها الوطنية والقومية وجزء من شخصيتها المتميزة والفريدة وفي الوقت نفسه تراثها هذا هو جزء من تراث الإنسانية الشاملة بمعناها الواسع.

 فالإنسان الذي يتحمل أمانة ومسؤولية نشر الوعي الثقافي والفني والتنويري بين الناس داخل وطنه وبين أهله وأمته ومجتمعه وقبيلته وعشيرته ومدينته ينبغي عليه أن يكون عند مستوى المسؤولية والأمانة الملقاة على عاتقه وأن يكون متسلحا بسلاح ثقافي كافي وزاد معرفي وحصيلة علمية وفنية وتراثية رصينة.. ولديه رؤية وكشف معرفي ومشروع مستقبلي تنويري لرفع مستوى ذوق النا س في بلده وبين أهله ومدينته ورفع جهلهم والغشاوة عن أعينهم فيكون بالنسبة لهم كالشمعة المحترقة التي تضيئ لهم دروبهم وسبلهم ومسالكهم وطرقهم .. فيهتدون بها وتكون قدوتهم الحسنة ومثلهم الأعلى وعلى الذي يتصدر قيادة الثقافة في بلدة أو داخل مدينته ان لا يستهلك جهده ووقته وعمره في فعاليات وأنشطة شكلية غير ذات جدوى ولا فائدة منها سوى الترفيه ومضيعة الوقت والمال والجهد والاستمتاع الآني الزائل ولا يحقق الهدف المنشود من الثقافة الذي هو تغيير ذوق وفكروعلم ومعرفة ومشاعر وأحاسيس ووجدانات الناس إلى الأفضل و الى مستوى حياة مدنية راقية وسعيدة ومرفهه ولا يخلق داخل عقولهم فهم عميق وسليم لمعنى ومغزى وجودهم في الحياة.

 

بقلم/علي الذرحاني

مستشار وزارة الثقافة لشؤون الفنون التشكيلية بعدن