التيار الديني يرفع شعار الدولة المدنية بدلاً من الدولة الدينية !!!
المتابع لمجريات الأحداث وتطوراتها في المنطقة يُلاحظ تصاعد المطالبات بالدولة المدنية في مختلف مجتمعات المنطقة التي مرت بفترة منذ سبعينيات القرن الماضي بتصاعد الخطاب الديني الداعي للعودة للدولة الدينية وتطبيق الشريعة كحل لكافة المشاكل والأزمات، وتصدر ذلك المشهد تنظيمي الإخوان المسلمين والتنظيم السلفي، وكان ذلك بدعم ومساندة وتشجيع من الأنظمة في المنطقة نكاية باليسار والقومين والليبراليين والشيوعيين مما أدى بالضرورة لاكتساح الخطاب الديني لكل مجتمعات منطقتنا وانتشرت مظاهر التدين المخادعة وبذات الوقت دفعت شعوب المنطقة ثمن ذلك بالمزيد من الاستبداد والتسلط.
اليوم وبعد موجة الربيع العربي الأولى التي دشنها
شهيد الحُرية والكرامة الإنسانية البوعزيزي، وبعد أن شعر بالذات وتحديداً التنظيم الدولي
للإخوان المسلمين بأن هناك فرصة تاريخية للوصول للسلطة، أنقلب على الأنظمة التي ساعدته
ودعمته وشجعته وفتحت له كل الأبواب من قنوات إعلامية ومساجد وجمعيات ولجان خيرية ودخل
معها بصراع حد المواجهات العسكرية والتصفيات الجسدية والسجون والمعتقلات التي أمتلئت
بأعضاء التنظيم، وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها.
لذلك تغير مشروع الجماعات الدينية المتمثلة في
الإخوان المسلمين من المطالبة بالدولة الدينية لتُطبق شرع الله والسنة النبوية وشعار
الحل بالإسلام للمطالبة بالدولة المدنية، هذا التغير في التكتيك ليس حُباً بكل تأكيد
بالدولة المدنية التي تتعارض وتتقاطع بشكل جذري مع أدبياتهم الدينية وأمام شعاراتهم
التي الهبوا بها عواطف الجماهير في كل المعمورة وأمام مُناصريهم وأعضائهم، وإنما هي
محاولة للقفز على جراحات الأمة التي خلفها تحالفهم مع الأنظمة المُستبدة التي تترنح
الأن أمام الشعوب التواقة للخُرية والديمقراطية و احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية
والعدالة والمُساواة.
أن المنطقة تمر بتحولات عميقة جداً والتجربة
السودانية الماثلة اليوم أمام المجتمع الدولي خير مثال بعد حكم استبدادي وصل للحكم
عن طريق انقلاب عسكري بدعم من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين على حكم ديمقراطي وصل
للحكم عن طريق الانتخابات رغم نفي الإخوان ذلك إلا أن الحقائق التاريخية لا يمكن طمسها.
اليوم العنوان العريض المرفوع في الخرطوم هو
دولة مدنية ولعل تجربة حكم تطبيق الشريعة من أيام النميري وحتى أسقاط البشير كانت حاضرة
بالذهن السوداني و ما تمخض عنها من مآسي وحروب وأنفصل الجنوب عن الشمال هو نتيجة طبيعية
لسياسات كارثية كان عنوانها تطبيق الشريعة، وما يحصل اليوم من رفع لشعار الدولة المدنية،
ما هو إلا نتيجة تجارب مريرة أدت بالضرورة لأن تُعيد الشعوب الحياة الطبيعية لمجتمعاتها
التي ضاقت ذرعاً من تطبيق الشريعة، والأن يكررون ذات النغمة بأن من طبق الشريعة لم
يطبقها بشكلها الصحيح رغم أن مجتمعات المنطقة مرت بتجارب قرون طويلة، لذلك لم أستغرب
حقيقة عندما يرفع بالذات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين شعار الدولة المدنية، وبطبيعة
الحال ليس حُباً بمبادئ وقيم الدولة المدنية وما توفره من حُريات عامة وشخصية وإنما
هو نتيجة توجه الشارع العام في المنطقة بعد أن أُدرك بأن مشروع الحل بالإسلام لم ينتج
له مجتمع متطور وفاضل وإنما شوه صورة الاسلام كدين.
فهل أقتنع التيار الديني بالفعل بأهمية الدولة
المدنية، أم أنه يُحاول تبرئة نفسه من تدمير المجتمعات العربية إينما يحل بها؟
أنور الرشيد