الحسابات الوهمية: وسيلة إعلامية تتحدى الزمن

في اليمن، تُعد وسائل التواصل الاجتماعي المصدر الرئيسي للمعلومات بالنسبة لغالبية السكان، حيث يعتمد حوالي 95% من اليمنيين على هذه المنصات للحصول على الأخبار والمعلومات. ومع هذا الانتشار الواسع، أصبحت الحسابات الوهمية أداة شائعة تُستخدم في الإعلام اليمني، سواء للترويج لأفكار معينة أو للتأثير على الرأي العام.

منذ القدم، كان الإعلاميون يبحثون عن وسائل مبتكرة للتغلب على القيود التي تعترض طريقهم. ورغم تغير العصور وتطور الأدوات، كانت هناك فكرة واحدة ثابتة تتجدد في كل زمن: "الحسابات الوهمية". فمنذ استخدام الأسماء المستعارة في الصحف الورقية وحتى إنشاء حسابات رقمية معقدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، حافظت هذه الوسيلة على مكانتها كأداة مؤثرة تخدم أهدافًا متنوعة.

البدايات البسيطة:

أسماء مستعارة وأقلام حرة

في الماضي، عندما كانت حرية التعبير مقيدة والخوف من الملاحقة حاضرًا، لجأ الصحفيون إلى استخدام الأسماء المستعارة كوسيلة للتخفي ونشر الحقائق. هذه الطريقة، رغم بساطتها، كانت تُعدّ ثورة في ذلك الوقت لأنها وفرت للإعلاميين الحرية للتعبير عن آرائهم دون الخوف من العواقب.

التحول الرقمي: ولادة الحسابات الوهمية

مع ظهور الإنترنت، تحول المشهد الإعلامي بشكل جذري. لم تعد الأسماء المستعارة كافية، وبدأت الحسابات الوهمية بالظهور على المنتديات وغرف الدردشة. كانت هذه الحسابات تُستخدم لجمع المعلومات والتفاعل بحرية مع الجمهور، مما أعطى الإعلاميين فرصة للوصول إلى مصادر جديدة ودوائر يصعب دخولها علنًا.

وسائل التواصل الاجتماعي: القوة في التخفي عندما ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي، أخذت الحسابات الوهمية منحى جديدًا وأكثر تأثيرًا. أصبح بالإمكان إنشاء شخصيات رقمية متكاملة، تحمل أسماء وصورًا تبدو حقيقية تمامًا. استخدم الإعلاميون هذه الحسابات للتغلغل في مجموعات مغلقة أو التفاعل مع جمهور مستهدف بشكل مباشر. واستُخدمت أسماء الفتيات كوسيلة لجذب الانتباه والدخول إلى شبكات محددة بسهولة أكبر.

الحسابات الوهمية ترتقي

اليوم مع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، وصلت الحسابات الوهمية إلى مستوى جديد من التطور. لم تعد مجرد وسيلة للتخفي، بل أصبحت أداة ذكية قادرة على التفاعل بطرق واقعية للغاية. يمكن لهذه الحسابات تحليل البيانات، استهداف الجمهور برسائل مخصصة، وحتى إدارة حملات إعلامية معقدة دون الكشف عن هويتها الحقيقية.

ما يجعل الحسابات الوهمية وسيلة خالدة هو قدرتها على التكيف مع التغيرات الزمنية و ملاءمتها لكل الأزمنة. ففي كل عصر، تُجدّد هذه الوسيلة نفسها لتلائم التحديات والفرص المتاحة. سواء كانت تُستخدم للتحرر من قيود الرقابة في الماضي، أو للوصول إلى بيانات دقيقة في العصر الرقمي، فإنها تُثبت دائمًا مرونتها وقيمتها.

أما في الجانب الأخلاقي: هي تحدي الزمان والمكان

لكن مع كل هذه الفوائد، يبقى السؤال الأخلاقي حاضرًا: كيف يمكن استخدام الحسابات الوهمية بطرق مسؤولة؟ عبر الأزمنة، كانت هناك دائمًا حاجة لتحقيق التوازن بين الابتكار والمبادئ الأخلاقية، لضمان ألا تُستخدم هذه الوسائل للإضرار بالثقة العامة أو نشر التضليل.

في الختام من الصحف الورقية القديمة إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي الحديثة، أثبتت الحسابات الوهمية أنها أداة إعلامية قادرة على البقاء والتكيف.

وبينما نعيش في عصر يتسم بالتغيير السريع، يبقى الدرس المستفاد من الماضي هو أن الوسائل الإعلامية الأكثر نجاحًا هي تلك التي تملك القدرة على التأقلم مع الزمن، والحسابات الوهمية مثال حيّ على ذلك.