الحوثيين وقصات الشعر..الدين بعيداً عن سياسة التجويع والقتل

 حقيقة ضحكت كثيراً أولاً وأنتابني شعور كبير ، ورغبة جامحة في البكاء ثانياً، حقيقة في آن واحد، وأنا أقرأ تعميم الحوثيين الصادر أواخر الشهر الماضي، من إدارة البحث الجنائي في العاصمة اليمنية صنعاء، الواقعة تحت قبضتهم، لمعظم صالونات الحلاقة الرجالية، بمنع قصات الشعر الرجالية العالمية للزبائن الرجال، المنافية لتعاليم الدين الاسلامي الحنيف، وغير المتمسكة بهوية القرآن، وقول الرسول محمد صلوات الله وسلامه عليه من : "تشبه  بقومٍ فهو منهم"، بحسب  البيان الحوثي ، وأهاب البيان والتعميم الحوثي ذاته،  الذي يشبه تحذير النازيين بعد المحرقة اليهودية في ألمانيا، اللذين أثبتوا للعالم، في القرن العشرين، مدى خطورة الدعاية عندما تكون في يد الخبراء. فقد بدّلت محرقة اليهود (الهولوكوست) وغيرها من الشرور التي ارتكبها النازيون تصورات العموم للدعاية، وذلك بإظهار الأخطار التي ينطوي عليها تحّكم الدولة الغاشم في المعلومات والتلاعب بها، والقضاء على حرية التعبير، وتبشيع الفئات السكانية التي تعتبرها تهديدا ”للأمة“. 


وهذا البيان الحوثي يتشابه إلئ حدٍ كبير مع ذلك التحذير النازي، مع إختلاف الأجندات ، هي أن إيران رسمياً تنكر هذه المحرقة، والرئيس الإيراني الأسبق محمود إحمدي نجاد أبرز المنكرين ، وربما يفيد التذكير إشارته للهولوكوست  على أنها "خرافة" في العام 2005. نعود لنقول أن تعميم الحوثيين المضحك ذلك أهاب بالمخالفين من الحلاقيين وخبراء قصات الشعر في صنعاء، بأتخاذ الإجراءات المناسبة ضدهم إذا هم تمادوا وقصوا لزبائهم أحدئ القصات العالمية، مما قد يوسع دائرة الانتهاكات الحوثية لحقوق الإنسان اليمني، وعدم اكتراثهم بالحريات العامة، التي كفلتها القوانين الدولية العالمية.


ويثبت جلياً أن الحوثيين ربما يعيشيون خارج الزمن، ويعيدون تكريس نظام الإئمة الزيديين أو الازيديين قبل الثورة اليمنية التي تفجرت ضد أسلافهم الكهنوتيين ال حميد الدين ، اللذين عزلوا اليمن كلياً عن جواره الإقليمي ومكانه العالمي، في أيلول - سبتمبر عام 1962، ولكن بالعبائة الإيرانية، فماذا يعني تكريس القمع، والتحكم في لبس الناس والنساء بالتحديد،  وطريقة تصفيف وقصات الشعر الخاصة بالرجال او الشباب، ثم نسيء أو تناسئ الحوثيين أن أغلب اليمنيين لا يذهبون لصالونات الحلاقة سوئ مرات محدودة في السنة، لعدم وجود مال بحوزتهم ، وعدم صرف الحوثيين رواتبهم منذ سيطرتهم علئ العاصمة صنعاء ، قبل خمس سنوات بالتمام والكمال؟ والدليل علئ ذلك هو ردود أفعال المواطنين اليمنيين علئ هذا التعميم بسخرية منقطعة النظير ، في مواقع التواصل الاجتماعي نختار أحدها،   لشخص أسمه بن الرواد الذي تهكم علئ وزارة الداخلية التابعة للحوثيين بإنها تصدق نفسها أنها وزارة داخلية فعلية، وليست مليشيا،  وكتب كان حرياً بها صرف رواتب اليمنيين في صنعاء قبل كل شيء، لكي يستطيعوا قص شعرهم وحلاقة شعورهم بصورة جيدة.. "وزارة الداخلية الحوثية ساع الصدق فاعلين لهم دوله ساع الصدق اول شي يصرفوا المعاشات عشان الناس يحلقوا ساع الناس".


نختم حتئ لا نطيل علئ القارئ الكريم والرقيب الشرس الذي نخشاه، أن الحوثيين ربما يكونون أسوأ جماعة وأقبح مليشيا عصرية في التاريخ وفي العالم بأسره، وإصدارهم مثل هكذا تعميمات دينية، بعيدا عن سياسة القتل والتجويع الممنهج الذي تتبعه مليشياتها وأنصارها في صنعاء والمدن اليمنية الخاضعة تحت سيطرة جماعة الحوثيين، ضد الغالبية الساحقة من أبناء الشعب اليمني منذ خمسة أعوام طالت ليس مناهضين لسياستها الدينية الطائفية فحسب، بل لمتحالفين مع الجماعة ايضا ، ولن يغطي كل ذلك الحقائق علئ أرض صنعاء، فالشمس لا أحد يستطيع حجب نورها، وكذلك هي الحقائق، فحالات الكوليرا وإنفلونزا الخنازير وحمئ الضنك والكبد البائي، وأوبئة كثيرة باتت منتشرة وتفشت في صنعاء منذ عدة أشهر البعض منها والبعض الآخر  منذ سنوات مضت ، لم يقدم الحوثيين أي شيء يذكر لمكافحتها، أو التقليل من فتكها بحياة اليمنيين بدلاً من البيانات السياسية والدينية العقيمة، أو حتئ وضعهم رقم طوارئ للإبلاغ عن حالات الانفلونزا او الأمراض المعدية، أو تخصيص عيادات حجر صحي للأمراض الفيروسية المتفشية في صنعاء ومدن يمنية أخرئ، وربطها بالصليب الدولي الاحمر مباشرة، كأضعف الإيمان ولذر الرماد في العيون حتئ، لكن لا حياة لمن ننادي الموت يفتك باليمنيين والجوع والعوز وتراجع الخدمات، ولا يمكن تجاهل مسؤولية دول التحالف العربي هنا وتحديداً في المآلات الإنسانية التي خلفتها الحرب والتدخل السعودي المباشر بها، والتقصير الكبير إنسانياً تجاه المدنيين الواقعين تحت رحمة الحوثيين في صنعاء، او ربما إدارة التحالف العربي لهم ظهره كلياً لهم لكي نكون منصفين. بعد خمس سنوات من الحرب. وإقتراب دخولنا عامنا الميلادي الجديد، يجب أن نذكر أن اكثر من نصف سكان اليمن بلا أمن غذائي ويعيشون تحت خط الفقر العالمي، حسب منظمات الأمم المتحدة وبرامجها العاملة في اليمن، اي اكثر 16 مليون إنسان يمني بلا غذاء ولا مياه صالحة للشرب، ولا أدوية ومشافٍ متوفرة لمكافحة الأمراض والأوبئة المنتشرة جراء التلوث البيئي الذي أحدثت الحرب. 

 

الحوثيين يتلاعبوا بمصير اليمنيين ويريدون الضحك علئ عقولهم ، تارة بإحراق جماعتهم الحوثية ومليشياتهم في  شوارع صنعاء يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين 16-17 كانون الأول - ديسمبر الحالي، أحزمة العبايات والبالطوهات النسائية ،  بعد حملة مداهمات طالت محال نسائية، أثارت استهجاناً وتندراً كبيرين في أوساط اليمنيين. متهمين تلك التقاليع النسائية وتلك الموضة في اللباس النسائي هي من أباحت الحريات التي تتعارض مع الدين ، وهي سبب خراب ودمار اليمن، في وقت وصل العالم فيه الئ سيارات تعمل بالكهرباء والصين خير الأمثلة علئ ذلك ، بلا نفط او بنزين أو غاز، وسوف يتراجع أنتاج العالم من النفط الخام ، وذهابه نحو مصادر طاقة نظيفة ومتجددة  بدءاً من العام 2040، وقطاع السيارات علئ وجه التحديد هو أبرز القطاعات تأثرا  بحلول العام 2050.


فأين يعيش الحوثيين بربكم ؟ لن أعود لليمن والسجن والمنفئ الأمريكي، أحب ألي مما يفعلون ويدعون اليمنيين إليه.

                                     

محمد عبيد

صحافي من اليمن يقيم في نيويورك.        

مقالات الكاتب