أثر التدريب الإعلامي على الصحافة النسائية في اليمن: تجارب وآفاق
تختط المرأة الإعلامية في اليمن مسارًا مليئًا بالتحديات، على الرغم من الإسهامات الجليلة التي قدمتها نساء منذ عقود. فمنذ سبعينات القرن الماضي، عملت عدة نساء كقوى دافعة في تطوير الإعلام عمومًا وتكريس حضور المرأة في هذا المجال، ولو بقدر قليل من الأصوات حينذاك.
في تلك المرحلة، برزت أسماء نسائية قليلة في بيئة يهيمن عليها الذكور وتفتقر إلى فرص التدريب والتأهيل، مثل أمة العليم السوسوة وأمل بلجون ورؤوفة حسن وزينب عبد الرحمن، اللواتي يعتبرن نماذج ملهمة في المثابرة والإصرار، مما يعكس الحاجة الملحة اليوم إلى تعزيز دور النساء وتوسيع مساحتهن في مجال الإعلام، خاصة في ظل توفر قدر أعلى من الفرص.
واقع الصحفيات في ظل الأزمات
في خضم الأزمات المتتالية والمستمرة التي يمر بها اليمن، تُظهر الصحفيات قدرة قوية في الدفاع عن حقوق المظلومين، ويلعبن دورًا محوريًا في توثيق الأحداث وإبراز القضايا المجتمعية رغم الظروف القاسية. وهنا يظهر دور برامج التدريب الإعلامي، التي تسهم بشكل حيوي في تعزيز قدرات هؤلاء النساء، حيث تزودهن بالمهارات اللازمة لإنتاج تقارير مهنية.
تتجاوز الصحفيات اليوم العديد من العقبات التي تفرضها بيئة إعلامية غير مستقرة، إذ يُعد التدريب أداة حيوية لتمكين الصحفيات من الوصول إلى المناصب القيادية وإنتاج المحتوى الصحفي. هذا التدريب لا يُعد مجرد إضافة مهنية، بل يُسهم في بناء الثقة بين الصحفية والوسيلة والجمهور، ويزود الصحفيات بالمعرفة والمهارة في الإدارة والتخطيط، مما يعزز فرصهن في اتخاذ القرارات ويحسن جودة إنتاجهن الإعلامي من التقارير والأخبار المدققة والتحقيقات المعمقة.
شهادات وتجارب ملهمة من الميدان
تعكس شهادات صحفيات مشاركات في برامج مثل "يمانيات" و"مكانتي" التحول الملحوظ في أداء الصحفيات، حيث تسهم التجارب التدريبية في تعزيز مهاراتهن ومعلوماتهن حول القضايا التي يقمن بتغطيتها.
تتحدث الصحفية سعيدة عبد الغني، التي تعيش في عدن، عن تجربتها مع التدريب الإعلامي، قائلة: "الدورات التدريبية كان لها تأثير كبير جدًا على مستواي. لقد زادتني خبرة ومعرفة في أنواع الصحافة الحديثة التي لم أتعلمها في الجامعة." وتشير عبد الغني إلى أن التدريب أعدها بشكل أفضل لمواجهة التحديات في العمل، خصوصًا في ظل صعوبة الحصول على معلومات دقيقة.
وتؤكد عبد الغني على أن الورش التدريبية ساعدتها في تطوير مهاراتها في البحث والتحقق من المصادر وتجنب الأخطاء الشائعة، موضحة: "هذه الأدوات ساعدتني في تحسين جودة تقاريري، وأصبحت قضايا حقوق المرأة والسلام جزءًا أساسيًا من عملي."
وتشير الصحفية أفراح بورجي من الحديدة إلى أهمية ورش العمل، قائلة: "كانت بمثابة التثقيف والتمرين. عرفتني على القوالب الصحفية مثل التقرير الخبري والقصص الإنسانية والبودكاست." وتضيف: "فتحت لي الفرص لأتعلم كيفية كتابة القصص الإنسانية بطريقة تراعي حقوق المرأة."
التعليم والتطوير المستمر
تدرك الصحفيات أدوارهن في نشر الوعي وتعزيز آفاق الحوار بين الأطراف المختلفة، مما يساعد في بناء السلام. وتعمل برامج التدريب على تعزيز ثقة الصحفيات بقدراتهن، مما يشجعهن على تولي مهام قيادية وإنتاج تقارير جريئة. كما تسهم هذه البرامج في تكوين علاقات تعاونية بين الصحفيات وتعزيز تبادل الخبرات والمعارف.
توضح أفراح أهمية اختيار الكلمات عند الكتابة عن قضايا حساسة، حيث تقول: "تعلمت أن الصحفي يمكن أن يؤثر بكلماته، لذلك يجب أن أكتب بطريقة تعكس الحقائق دون الإضرار بالأشخاص." وتشير عبد الغني إلى تجربتها مع أكاديمية "الدويتش فايليه" في دورة حول صحافة البيانات، حيث استخدمت ما تعلمته في تقرير اعتمد على المصادر المفتوحة، مما عزز من مصداقية عملها.
استثمار طويل الأجل في الصحافة النسائية
تعتبر برامج التدريب الإعلامي استثمارًا طويل الأجل في تطوير الصحافة النسائية في اليمن، حيث أثبتت هذه البرامج فعاليتها في تحسين جودة التقارير وتعزيز دور المرأة في بناء السلام. وتشير أفراح إلى تجربتها في كتابة تقرير حول لجوء الأفارقة إلى اليمن بعد تلقيها تدريبًا حول حقوق الأقليات، قائلة: "تعلمت كيفية الكتابة عن القضايا الحساسة بطريقة سلسة، وأدركت كيف أختار المفردات الإيجابية في تقريري."
وتصف عبد الغني تأثير تقارير الصحفيات في نشر الوعي، خاصة في مجالات المناخ والبيئة، قائلة: "هناك تقارير ساهمت في نشر الوعي حول هذه القضايا." فيما تدعو أفراح إلى رفع صوت المرأة، حيث تقول: "المرأة تحتاج إلى أن ترفع صوتها أكثر من خلال الأعمال الصحفية."
التحديات والنجاحات
تواجه الصحفيات والناشطات في اليمن تحديات جسيمة، حيث تمثل النساء 11% من أعضاء نقابة الصحفيين و2% فقط في المؤسسات الإعلامية. الوضع الحالي يُظهر أن فرص العمل المتاحة للنساء ما تزال محدودة، رغم تخرج حوالي 41 ألف طالب وطالبة سنويًا في مجالات الإعلام، مما يعكس حالة التمييز التي تعيق تقدمهن بشكل أكبر. وتذكر عبد الغني هنا أهمية التدريب في مواجهة التحديات التي اعترضتها في بداية المشوار، مثل صعوبة الحصول على معلومات دقيقة، قائلة: "ساعدني التدريب على التعامل مع هذه التحديات بشكل أفضل."
من جانبها، توضح أفراح أن الكتابة حول القضايا الحساسة تتطلب حذرًا في اختيار الكلمات، قائلة: "يجب أن أكون حذرة في اختيار المسميات حتى لا أضر بأي طرف." ورغم هذه التحديات، ترى الصحفيات أن التدريب والتطوير المستمر هما الطريق الأقرب إلى تعزيز دور المرأة في الإعلام.
في ختام حديثهما، تصف عبد الغني وأفراح ورش التدريب بأنها ساعدت في سد الفجوات بين التعليم الأكاديمي ومتطلبات سوق العمل.
تُعتبر الصحافة النسائية حجر الزاوية في بناء السلام وتعزيز الحوار المجتمعي. من خلال التعليم والتدريب، يمكن للنساء في اليمن أن يلعبن دورًا فعّالًا في تشكيل المشهد الإعلامي وتحقيق التغيير. وتمثل قصص هؤلاء الصحفيات نماذج واضحة على قدرة المرأة اليمنية على تحقيق حضور فاعل في المشهد الإعلامي اليمني حتى في أحلك الظروف.
نُشرت هذه المادة في منصة هودج، صحيفة الوطن توداي تعيد نشرها بناء على مذكرة تفاهم مشتركة تتعلق بنشر المواد الصحفية التي يتم إعدادها في إطار مشروع "يمانيات".