الحماية والتأهيل .. الأمل الوحيد خلف القضبان
عاشت سهى طفولتها في إحدى الدور المخصصة لرعاية الأيتام في تعز. تزوجت بعدها لتنتقل برفقة زوجها إلى عدن والعيش في دكان لما يقارب 4 سنوات، ساءت ظروفهم المعيشية والتي أجبرت الزوج على الذهاب للقتال ولم يعد سوى خبر مقتله في الحدود السعودية.
كانت “سهى” حامل في شهرها الثامن حينما احتجز صاحب الدكان ما تبقى لها من آثاث وأخرجها إلى الشارع، حينها قررت العودة إلى تعز، لكنها فوجئت بأن دار الأيتام ـأملها الوحيد في المدينة قد أُغلِق وعلامات المخاض قد بدت عليها.
لاحظت خديجة ـامرأة تسكن في بير باشا غرب المدينةـ علامات التعب والإرهاق بادية في خطوات سهى المتثاقلة فاستوقفتها خديجة وأدخلتها المنزل لتضع جنينها وتبدأ رحلة المعاناة من جديد في مواجهة اتهامات الآخرين لها.
في حديثها لـ منصتي 30 تقول سهى: “ساعدتني خديجة وأدخلتني شقتها لكن صاحب العمارة أراد أن يأخذني وابني إلى منزله، وعندما لم توافق خديجة على تسليمي له، حاول اتهامنا بجلب النساء وممارسة الرذيلة”.
تتابع سهى حديثها بالقول :”أخذوني وخديجة إلى السجن وظلت خديجة لشهر كامل حتى أخرجوها مقابل مائتي ألف ريال، لكنني بقيت في السجن لمدة 9 أشهر دون أن يسأل عني أحد”.
بعد انقضاء فترة العقوبة لسهى أخذتها الأستاذة شادية راجح مديرة مركز الحماية والتأهيل للنساء والفتيات، وهناك خضعت سهى للجلسات النفسية والتوعوية وتعلمت الحرف اليدوية مما ساعدها على التخلص من الضغوطات النفسية التي تعرضت لها، وإنشاء مشروعها الخاص وهو عبارة عن بقالة صغيرة بدعم من فاعلي الخير.
جهود ذاتية .. تصنع الحياة من جديد
تأسس مركز الحماية والتأهيل للنساء والفتيات في عام 2019 بعد قصف مبنى السجينات في الإصلاحية المركزية، بجهود ذاتية من الأستاذة شادية راجح والأستاذة صباح ممثلة فرع اتحاد نساء اليمن في تعز.
في السياق تشير مديرة المركز شادية راجح في حديثها لـ منصتي 30 أنه رغم شحة الإمكانيات إلا أن المركز مايزال مستمراً في تقديم خدماته للسجينات اللواتي يرفض الأهالي استقبالهن بعد خروجهن من السجن، وتضيف: “نسعى إلى تقديم الدعم النفسي للنساء بهدف تحقيق السلام المجتمعي وإكسابهن المهارات المختلفة كالخياطة والتطريز والنقش وصناعة البخور والعديد من المهن التي تساعدهن في إيجاد مصدر دخل لإعالة أنفسهن دون الاعتماد على أحد”.
إلى ذلك تؤكد شادية راجح أن المركز استطاع أن ينقذ الكثير من الفتيات ممن يحصلن على قرار الإفراج ولا يجدن القبول من المجتمع والحفاظ عليهن من الضياع، مضيفة أن المركز تمكن خلال سنتين من لَمّ الشمل للعديد من النساء مع أهاليهن، وتزويج أخريات وإدماجهن في المجتمع.
في الوقت ذاته تقول مديرة فرع اتحاد نساء اليمن في تعز صباح محمد لـ منصتي 30 :”الكثير من النساء السجينات وجدناهن في حالة اكتئاب وقلق، بسبب تخلي أسرهن عنهن، لكن المركز استطاع أن يخرجهن من عزلتهن عن طريق العلاج وعبر جلسات نفسية، وأخريات بجلسات علاجية وعقاقير طبية”.
وتضيف محمد قائلة :”أعرف فتيات كُنّ يشكلن خطراً على من حولهن وتم عزلهن، بل وكُنّ في مراحل متقدمة من الاضطرابات النفسية وبعدها قام المركز بتأهيلهن وخرجن بصحة كاملة، ومنذ عامين والمركز يعمل على تقديم الحماية القانونية والدعم النفسي للنساء السجينات”.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه مركز الحماية والتأهيل للنساء والفتيات على المستوى النفسي والمهني من خلال التدريب والتأهيل، إلا أنه لم يعد قادراً على استيعاب المزيد من النزيلات اللاتي يتزايد أعدادهن بشكل مستمر، بالإضافة إلى عدم قدرة المركز على دفع رواتب العاملات فيه نظراً لشح الإمكانيات وعدم اهتمام المنظمات بدعم المشروع، مما يفاقم مأساة هذه الشريحة من النساء اللاتي يبحثن عن الأمل في العيش كبقية النساء في المجتمع.
الناشطة مها عون تؤكد في حديثها لـ”منصتي 30” أنه “رغم فقدان المركز لأبسط الاحتياجات الضرورية اللازمة لاستمراره في تقديم الخدمات للنساء والفتيات، إلا أنه استطاع انتشال الكثير من السجينات وعمل على إعادتهن للمجتمع من جديد في الوقت الذي تغيب فيه مثل هذه المراكز التي تهتم بالسجينات في البلد”.