حارس مرمى الخسارة..

 

سأقول تمهيدا طويلا لدى طول بالك عزيزي القارئ، لأن الفكرة تستحق أن تصل تدريجيا مثلما تشكلت عندي، تدريجيا. 

بداية، فإنه قبل أي مباراة كرة قدم يكون المجال متاحا للتخمينات، تصور عدد هائل من السيناريوهات، تخيل مجموعة من التوقعات وانتظار تحققها.

 وتبدو هذه الكواليس لعبة خارج اللعبة..

 

 ولكن ومع صافرة انطلاق المباراة تبدأ رحلة من التوجس والانتظار، الترقب ومراقبة الوقت، الأمل واليأس. وبعد تسعين دقيقة تنتهي المباراة، وتتلخص الحكاية في كلمة واحدة: النتيجة. تعادل مثلا أو فوز أحد الفريقين.

 

الأمر كأنما هو تجسيد للتكتيك وكيفية التنفيذ والمعالجة النهائية، الفكرة بالنسبة لي من كل هذا التمهيد ترتكز في تفسير مفهوم الأهداف، كم من الفرص الضائعة والمحاولات والاقتراب من الشباك، ويبقى المهم عدد الكرات التي تجاوزت خط المرمى. الفريق وليس المهاجم فقط يواصلون طيلة المباراة صناعة الفرص، ابتكار المحاولات إلى أن يتحقق الهدف، وهكذا في كل مباراة أيضا.

 

الفريق، وتحديدا في حالة الهجوم يسعى إلى غاية واحدة هي تحقيق هدف، وكل المدارس الكروية وأساليب المراوغة والحيل الفنية والأفكار تصب في مفهوم بسيط، وهو: الوصول إلى باب الخصم.

 

من كل هذا أريد القول إن السعي إلى الهدف جزء أساسي وبأهمية تحقيق الهدف، وإن الأهداف الضائعة هي محاولات ناجحة غير مكتملة، وبحسب اللعبة فإن العرقلة والتعثر جزء من طبيعة التجربة، والنقطة الأهم أن هدفا واحدا يكفي عن عشرات الأهداف.

 

في الحياة، عندما فكرت في الأهداف التي نفرضها على أنفسنا وجدت أننا نختار الطريقة المستحيلة، أهداف كثيرة نسعى لتحقيقها كاملة، لا نتسامح مع كل محاولاتنا ونصفعها بالفشل، لا نتغاضى عن أي عثرة، ونعد ذلك خسارة، لا نحسب النقاط على ما تحقق، إنما نسجل كل ما فسد وتلاشى.

 

عند وضع الأهداف يجب أن نقلص عددها، أن نعرف تماما أنه ليس ممكنا تحققها جميعها، وأنه يكفي تحقق بعضها، وبصراحة وصرامة يكفي في كل مرحلة تحقق هدف واحد فقط، لأن الجانب المظلم للأهداف أنها تسرق بساطة التجريب، سلاسة التنقل ومرونة التوقف لصناعة أهداف جديدة، وتعزز من قيمة أن تكون الهداف رقم واحد في لعبة ليس فيها منافس.

 

لكن المهم حقا معرفة أننا نخوض معاركنا مع عقبات قابلة للتخطي، نواجه ظروفا يمكن توظيفها واستغلالها لتكون في صفنا، ننطلق من نوايا نبيلة ونصل من خلال أساليب لا نخجل من التصريح بها، نملك سعة في الوقت وفريقنا كل الذين حاولوا وتعثروا ووصلوا.

 

إننا نحقق الكثير بمجرد أن نستمر في اليقين بأننا سنصل ما دمنا نتحدى الإحباط، ولأنه ما يمنعنا من الإحساس بالخسارة ويهبنا معنى وجودنا، أننا كنا وما زلنا نؤمن بأنفسنا، نعول علينا ونحفزنا، وحينها لن يتوقف كل شيء عن مساعداتنا وإلهامنا. 

 

مجددا: الأهداف الضائعة هي محاولات لم تنجح بالكامل، ولكنها التدريب الضروري والمثابرة الثمينة، السلوك الفطري لمقاومة الجمود والتوقف، العناد الصحي لهواجس المستحيل، الخبرات والطريقة الطبيعية للحصول على وصفة نجاح خاصة.

 

الهدف رحلة تبدأ من لحظة التخلق في الذهن، تتوزع على الخطوات، تتوج بتحققه في النهاية، وبدون انتظار هبات مجانية تحت اسم الحظ، يكفي الاستعداد والتنبه للفرص، وأن يكون هدفنا نابعا من رغباتنا ويناسب قدراتنا ويغطي احتياجاتنا.

 

وأخيرا: الحياة ليست مجموعة من الأهداف، إنها البصمة التي نريدها، القيمة من وجودنا، المعنى الذي نحب أن نعيش ونكبر وهو فينا ومعنا.

 

ولاحظ: في لعبة الأهداف: حارس المرمى مهدد بالخسارة، المهاجم موعود بالنصر.

 

مقالات الكاتب