سمر.. فتاة تداوي قلوب الأطفال المهمشين
تقطع سمر علي اللحجي مسافة 30 كيلومترًا للوصول إلى مستشفى العارة الريفي بمحافظة لحج جنوب اليمن؛ للحصول على لقاح لتطعيم الأطفال المهمشين في منطقتها، خور العميرة الساحلية غرب المحافظة.
تتوجه سمر، التي تبلغ من العمر عشرين عامًا وتنتمي لفئة المهمشين، إلى منطقة رأس العارة -حيث يقع المستشفى الريفي- للحصول على اللقاح بمبادرة ذاتية؛ نتيجة عدم وصول فرق التطعيم إلى قريتها المعزولة عن العالم وعن الخدمات الصحية.
تقوم سمر بمهمتها الطوعية أسبوعيًا أو بشكل دوري، متجهة إلى المستشفى الريفي للحصول على اللقاحات التي تنقذ بها أطفال منطقتها، وتساهم في تأمين حاضرهم ومستقبلهم.
وتقول سمر علي لمنصة "هودج": "عملي كممرضة لسنوات في بعض المرافق الصحية بمديرية المحفد، محافظة أبين، ومديرية تبن، محافظة لحج، كشف لي أن أطفال المهمشين محرومون من الرعاية الصحية".
وأضافت: "كما أن عدم نزول الفرق الطبية إلى مناطق المهمشين فاقم من ظهور وتفشي أمراض الطفولة القاتلة، كالحصبة والدفتيريا، تمامًا مثل منطقتي التي يقطنها ما يزيد عن 150 نسمة".
إحباط وتمييز طبقي
ووفقًا للممرضة سمر، فقد عشقت هذا العمل منذ أن كانت صغيرة، وكان طموحها كبيرًا لولا شح الإمكانيات والتمييز الطبقي في المجتمع الذي حد من تطلعاتها.
وأوضحت أن هذا التمييز أصاب آمال العديد من المهمشين بالإحباط، وتوقفت طموحات بعضهم في المجال التعليمي عند مرحلة معينة؛ بسبب عدم تقبل المجتمع المحلي لوجودهم.
محاربة أمراض الطفولة
وترى سمر أن دافعها لهذه المبادرة الطوعية هو سعيها لحماية أطفال مجتمعها من أمراض الطفولة الفتاكة، والعمل على تثقيف مجتمعها بأهمية الرعاية الصحية للطفل.
ولا تشعر سمر بالملل عند نقل أطفال قريتها إلى مستشفى العارة الريفي، وتتحمل مرارة الانتظار في الطريق الساحلي لساعات؛ نتيجة عدم توفر المواصلات.
وأشارت إلى أنها تتابع المرافق الصحية القريبة من مكان سكنها بحثًا عن حل ينهي معاناة أطفال قريتها مع الأمراض.
سكان غير أصليين!
تستغرب سمر من عدم وصول فرق الخدمات الطبية والتطعيم إلى القرية، ولم تجد تفسيرًا سوى "شح الإمكانيات".
لكن الرد الأكثر إيلامًا بالنسبة لسمر، كان اعتبار السلطات الصحية أن أهالي القرية "ليسوا من السكان الأصليين"؛ بحكم أنهم استقروا في المنطقة منذ سنوات قليلة فقط!
تهميش وحرمان
أوضحت سمر أن النظرة المجتمعية نحو مجتمع المهمشين في قريتها مبنية على الازدراء والتهميش، وحتى الحرمان من المساعدات المقدمة للمجتمع المحلي، تحت ذريعة عدم استحقاق هذه الفئة.
وأضافت أن بعض العاملين في المرافق الصحية القريبة لا يتقبلون الذهاب إلى القرية والعمل في الوحدة الصحية هناك.
من أجل الناس
رغم حبها لهذا العمل، لم تتمكن سمر من ممارسته بشكل رسمي؛ نتيجة نظرة المجتمع المحيط نحوها، وعدم حصولها على عقد عمل يتيح لها رعاية أطفالها، لاسيما وأنها المعيلة الرئيسية لأسرتها.
وأشارت إلى أن أهالي قريتها من المهمشين يعتمدون عليها في تقديم الخدمات الطبية، من بينها التطعيم، كونها الوحيدة من هذه الفئة التي اكتسبت خبرة نتيجة ممارستها للعمل الصحي.
لكن ما يعيق تقديمها للخدمات الطبية في قريتها هو عدم وجود بيئة حقيقية للعمل، كغياب المكان الملائم لخدمة المرضى المهمشين، وانعدام الدواء لتخفيف معاناتهم.
ولفتت إلى أن جميع أفراد قريتها يعيشون في ظروف معيشية صعبة، ويعملون في مهن شاقة وغير مستقرة؛ في سبيل الحصول على لقمة العيش.
جهود تلقى التقدير
حازت جهود الممرضة سمر في منطقتها على تقدير من قبل أهالي قريتها، وفي هذا الشأن، يقول أحد وجهاء المنطقة، ياسر الصبيحي: "ما تقوم به سمر أسهم كثيرًا في التخفيف من معاناة العديد من الأطفال في قرية المهمشين".
وأضاف الصبيحي لمنصة هودج: "هذه الجهود تظل طوعية وتحتاج إلى تبنيها من جهات اعتبارية، خاصةً وسط التمييز الطبقي الذي تعاني منه هذه الفئة، وكذلك شح إمكانيات المهمشين في التنقل بحثًا عن الخدمات الطبية في مناطق بعيدة عن القرية".
وأشار إلى أن أهالي المهمشين ليس لديهم القدرة على توفير الغذاء والدواء، وظروفهم صعبة، وقد توفي بعض أطفالهم بسبب أمراض بسيطة نتيجة عدم نقلهم سريعًا إلى المشافي لتلقي العلاج.
وطالب بتطوير هذه المبادرة التي تبنتها الممرضة سمر، من خلال إنشاء مركز أو وحدة صحية صغيرة في المنطقة تمولها جهة مانحة؛ لحماية أطفال هذه الفئة من الأخطار الصحية التي تهدد حياتهم.
بلا رعاية
يُذكر أن وكالة التعاون التقني والتنمية أجرت دراسة علمية بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية حول واقع أسر المهمشين في 14 منطقة تقع في نطاق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا.
وخلصت الدراسة إلى أن 80% من الأسر لا تستطيع تغطية تكاليف الرعاية الصحية، وأن 37% من المهمشين يفتقرون إلى المال الكافي لتوفير الغذاء، فيما لا يستطيع 49% من الأطفال الالتحاق بالمدارس.