عنف وإهمال.. فترة الحيض تضاعف معاناة النساء
![](/photos/022025/67a65eab24033.png)
"قبل ما يقارب عشرة أيام من موعده، تبدأ معركتي مع أعراض ما قبل الحيض: فقدان الشهية، والشعور بالغثيان، والتوتر والقلق، والرغبة بالبكاء، وحزن شديد، وتورم وألم في الثديين، وفي الإبطين، وفي الجسم." هكذا بدأت منال علي (اسم مستعار) حديثها عن معاناتها مع الحيض.
وتضيف في حديثها لمنصة هودج: "في ظل الظروف العصيبة التي أمر بها سواء قبل الحيض أو أثناء تدفقه، لا أحد يعلم حجم المعاناة التي أتكبدها. فقط أعيشها بصمت محاولة السيطرة على انفعالاتي حتى لا أتعرض للعنف."
فصول من الآلام تعيشها النساء في فترة الحيض، تترصد لهن أعراض جسدية ونفسية، إلا أن معاناة اليمنيات تتضاعف مع عدم تفهم المحيطين بهن نتيجة قلة الوعي لدى المجتمع لما يمررن به.
تتابع منال قائلة: "في مرات ذهبت لأحكي لوالدتي عما أمر به، فردت: 'هذا إبليس يوسوس لك، ما فيك شيء!؟ أنتِ أحسن من غيرك، هذا من الفراغ.' لم أعد أحدث أحدًا عما يحدث لي."
بحسب المعالجة النفسية مليون الثمري، فإن المرأة تتعرض للعديد من الاضطرابات النفسية في فترة الحيض، منها تقلب المزاج، وضعف الشهية أو العكس، والانطواء، إلى جانب الرغبة في البكاء والحزن، والدخول في حالة الاكتئاب، وصعوبة في النوم أو تقطعه.
فيما يضيف أخصائي علم النفس الإكلينيكي، وليد الرباصي، أن المرأة خلال فترة الحيض تعاني من التهيج والانفعال، والقلق، وزيادة الحساسية العاطفية.
وأرجع السبب في حدوث تلك العوامل وغيرها إلى تقلبات هرمونية تؤثر بشكل كبير على الناقلات العصبية في الدماغ، مثل "السيروتونين" و"الدوبامين"، المرتبطين بتنظيم المزاج، حيث يؤدي ذلك إلى انخفاض هذه الناقلات.
الاكتئاب أشدها
قبل الحيض بأسبوع تبدأ معركة ملاك مع الاكتئاب، حيث تعيش حالة بكاء مستمر وحزن وفقدان الشغف بكل شيء، ولا تجرؤ على الحديث أمام أفراد الأسرة عن أمر الحيض نتيجة وصمة العار والعيب حول هذه العادة. وإذا لاحظوا أيًا من أعراض الاكتئاب، فحتماً سيقولون بأنها أصيبت بالجنون.
تفيد ملاك أنها تعاني من تقيؤ مستمر، وصعوبة النوم، وخوف شديد، وأوهام بأن هناك من يلاحقها ويراقب تحركاتها داخل المنزل وخارجه.
تقول: "هذه تجي فترات تجنن فوقنا، الظاهر أنك مجنونة قدك!" هذا أكثر ما أسمعه. حاولت أن أتكيّف مع هذا التعنيف حتى لا تزداد حالتي النفسية تدهوراً."
امرأة ملوثة
تختلف معاناة سماح، فهي تواجه التنمر خلال أيام الحيض من قبل أفراد أسرتها، حيث يمنعونها من إعداد الطعام أو تجهيزه، فيتركون لها مهام المنزل الأخرى مثل غسل الملابس، وتنظيف الحمامات، ونفض الغبار من الأثاث.
تقول: "هذه العادة تحدث مع جميع فتيات العائلة، حيث يواجهن الإقصاء والتمييز، ويتم التعامل معنا على أننا ملوثات يجب عزلنا. وهذا يولد لدينا شعوراً بعدم التقدير لكرامتنا. شعور سيء أن نواجه هذا التعامل في وقت نعاني من ظروف نفسية سيئة، ونحتاج إلى الدعم والمساعدة بدل العنف."
حمل يفوق طاقتها
كما هو معتاد في المناطق الريفية، تتحمل النساء مهام الزراعة والرعي وجلب المياه، وهذا يشكل ضغطاً عليهن خلال فترات الحيض التي تعاني فيها المرأة من أعراض جسدية تتطلب منها الراحة، بعكس ما يحدث لنهى التي تمارس مهامها في عز أوجاعها.
تقول: "ذات مرة في موسم الحصاد، كنت في أول أيام الحيض، لم أستطع في الصباح أن أنهض من الفراش، فأخبرتني أختي أن عليّ البقاء. إلا أنني رافقتها. ونحن نمشي، أغمي عليّ. حين استيقظت، حاولت المواصلة إلى نفس المكان. جلست تحت ظل شجرة وتركت أختي تجمع الأعلاف. عند العودة حملت حزمة صغيرة وصلت للمنزل وأنا أعاني من إجهاد، وشعرت بتدفق الحيض بغزارة."
هناك أعراض جسدية تتعرض لها المرأة خلال فترة الحيض، وهي بحسب طبيبة النساء والتوليد منال الصلوي: "وجع في البطن وأسفل الظهر وفي الفخذين والثديين، وألم في المفاصل وعضلات الجسم، مع ظهور حبوب في الوجه تؤلم عند لمسها. بعض النساء يعانين من حمى في الجسم وهبوط حاد، وهذا ناتج عن فقدان الشهية والتقيؤ وأحياناً عن سوء التغذية، خاصة مع انتشار الفقر الشديد في أوساط اليمنيين".
تقول الصلوي: "تأتي تلك الأعراض قبل نزول الحيض بيوم أو يومين. كلما تدفق الحيض أكثر، كلما خفت هذه الأعراض، وتختفي بالتدريج. وحدوثها نتيجة انفصال الدم عن جدار الرحم وتدفقه للخارج."
الرباصي في حديثه يؤكد أن الآلام الجسدية المرتبطة بالحيض يمكن أن تفاقم من الحالة النفسية، مما يخلق حلقة مفرغة بين الشعور الجسدي وتقلبات المزاج، فينعكس ذلك بشكل أساسي على صحة المرأة.
ووفقاً لكتاب مشاكل المراهقين القنبلة الموقوتة للمؤلف عمار عبدالغني، فإن العديد من النساء يعانين من اكتئاب ما قبل الدورة الشهرية. ونتيجة لذلك، يتعرضن لعدد من الأعراض النفسية والجسدية مثل الصداع وآلام الرأس والظهر، وفقدان الشهية، وتغير المزاج، والتوتر، وضعف التركيز، والنسيان، وقلة الحركة والخمول، والبكاء الشديد.
التوعية هي الحل
المرشدة الأسرية أسماء الصلاحي ترى أن توعية المجتمع بالظروف النفسية والجسدية التي تمر بها النساء في فترة الحيض، وضرورة التعامل معها بأسلوب يخفف من معاناتها، تبدأ من المدرسة، حيث يتم تناول مكانة المرأة وأهميتها داخل المجتمع، وأنها النواة الأولى في تكوين الأسرة.
وتتابع: "وأن الله قد خص المرأة بهذه المرحلة من أجل التكاثر. وخلالها تمر بظروف نفسية وجسدية تحتاج إلى الاهتمام والرعاية، مع مراعاة تصرفاتها وانفعالاتها."
ويقول المختص النفسي، الدكتور جمهور الحميدي، إنه لا بد أن تمتلك الأسرة الوعي الكافي في كيفية التعامل مع المرأة خلال فترة الحيض، خاصة أن مزاجها يتغير بشكل كامل. والفتيات اللاتي يبدأن البلوغ يشعرن بالحيرة والغموض وغيرها من الاضطرابات، فلا بد أن يكون الأب والأم متقبلين لردة الفعل التي تحدث من قبل الفتيات خلال هذه الفترة.
ويشدد الحميدي على أهمية تكثيف التوعية من قبل الجهات المختصة والباحثين والإعلاميين والصحفيين بشأن الأوضاع النفسية التي تواجهها المرأة خلال فترة الحيض. كما يؤكد على ضرورة تنظيم فعاليات نسائية تهدف إلى رفع وعي الأسرة والمجتمع حول هذه الظروف، والتعامل مع المرأة بطريقة تسهم في التخفيف من معاناتها ودعمها لتجاوز هذه المرحلة.