وجهة نظر ...

 

بداية فإنه منصف أن كل الذين لا نعجبهم لا يعجبوننا أصلا. أما بخصوص من نعجب بهم، فإنه لا توجد ضمانة على أن نحصل على النتيجة نفسها، ربما لا نعجبهم ومهما حاولنا لن نعجبهم، وهذا ليس عادلا لكنه طبيعي، لأنه من حق كل شيء وكل أحد أن يحصل على فرصة قبول أو رفض، أن يستجيب لاختيارات الآخرين.

 

ولكن قبل أن نحصل على إعجاب غيرنا أو يحصل غيرنا على إعجابنا، وقبل الخوض في قبول ورفض من نختارهم أومن نصير ضمن خياراتهم، فإن إعجابنا بأنفسنا وقبولنا لنا ومحبتنا لذواتنا تسبق كل أحد.

 

وعندما يكون الأمر بيننا وبيننا فإنه يبدو وكأننا نتحدث عن أعداء بينهم – في أفضل الأحوال – معاهدة سلام، أو كأننا نحاول وصف شخص صادفناه في لحظة خاطفة ولم نميز ملامحه بدقة، أو كأننا مرغمون على التعايش مع شخص لا نحبه ولكننا لا نملك غيره، أو كأننا نهرب منه إلى كل أحد حتى لا نكون معه.

 

في الحقيقة، يبدو مؤذيا ملاحظة أننا نبحث في اختبارات تحليل الشخصية والأبراج وتصورات الناس لمساعدتنا في التعرف علينا، وننتظر أن يملك أحدهم القدرة على الغوص في أعماقنا ويتكفل بنقل صوة لنا عنا، ونحب الذين يملكون القدرة على خداعنا بأن يزوروا حقيقتنا، ويمتدحوا أشياء نعرف ويعرفون أنها ليست فينا، ولكن نقول: ما دام يرى ذلك غيرنا فإنه بالتأكيد موجود في داخلنا.

 

لأننا وعلى الرغم من أننا نعيش معنا طيلة الوقت، إنما نسمح بأن نتنازل عن هذه العلاقة الطويلة، في مقابل أن يحكم علينا أي أحد بسبب موقف أو تقاطعات في أوقات محدودة، ونضع اعتبارات وأولوية للأفكار ووجهة نظر أي أحد بخصوصنا أكثر مما نتصوره فعليا عن أنفسنا، لدرجة أن نكون جيدين عندما يرى الآخرون أننا جيدون، ونكون سيئين عندما يرى الآخرون أننا سيئون، نتحرك على حسب توقعات خارجية وكأننا نتحاشى أن نخذلهم ولا يهم أن نخذل أنفسنا.

 

ومع وجود فلاتر ومنصات ونوافذ وأدوات تساعد على التزييف، فإننا تدريجيا نصير شبيهين بما صنعناه ويحدده العالم، ولا نشبهنا.

 

ولوقت طويل ساهمنا في تعطيل عيننا الداخلية التي نبصر بها حقيقتنا وجوهرنا، انجرفنا بقدر كبير من الكسل إلى التنبه لأنفسنا، وما توقفنا عن التصريح بصداقتنا لكل أحد وكراهيتنا لنا، حد أننا – وأقولها بمرارة – وصلنا إلى أننا لا نعجبنا ولا نرغب فينا، ثم يثير فينا الغرابة أنه لا أحد مستعد لأن يختارنا.

 

ومثلما يحز في خاطر الواحد منا أن يرى في شخص أشياء جميلة لا يراها الشخص نفسه، أو يكون واضحا الجزء البغيض في أحدهم ويواصل نكران الأمر، فإننا نرتكب جريمة في حق أنفسنا مع وجودنا معنا بأن نستمر في معرفة كل أحد أكثر مما نعرفنا.

 

أنا أجلس مع نفسي، أراجع تصرفاتي ومواقفي، أتأكد من صلابة مبادئي، أطالع في المرآة، أراقب من مسافة بعيدة كيف أبدو وكيف أتصرف، أعترف بالمزايا والعيوب فيني، نقاط قوتي وضعفي، لأنني لا أريد أن يكون أي أحد في العالم أقرب لنفسي مني، لا أسمح أن يعرفني غيري أكثر مما أعرفني.

 

وأحب أن يحظى الجميع بفرصة تقديم ذواتهم، العيش في وهج حقيقتهم، أن يحصدوا ثمر فرادتهم بأن يكونوا أنفسهم، وقبل العالم أن يكونوا أول وأكثر شخص يعجب ويتباهى بهم.

 

مقالات الكاتب