الإتجار بمستقبل اليمن نقاش هادئ مع الدكتور هاني الصلوي وفلسفته الإصلاحية الرقمية..

كتب الدكتور هاني الصلوي موضوعًا بعنوان "الاتجار بمستقبل اليمن.. مازالوا يخاطبون الملك فيصل" وأثار ردود أفعال مبشرة، وهو من  المواضيع الهامة التي اعتقد أنها لم تطرق من قبل والموضوع يحمل طرحًا غنيا ويمزج بين الواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي في اليمن، مع تحليل عميق لدور التكنولوجيا في إنقاذ مستقبل البلاد أو المساهمة في خفض تفاقم أزماتها، والحقيقة أنَّ هناك عدة نقاط يمكن مناقشتها بدءً من:

 ١-العنوان، فقد جاء مثيرًا ويشد القارئ، لكنه يبدو متشعبًا بعض الشيء، من خلال  الجمع بين "الإتجار بمستقبل اليمن" والإشارة إلى "الملك فيصل" يجعل الفكرة غامضة بعض الشيء، وأظن أنه اختار العنوان الفرعي ليكون عنوانًا تنبيهيًا إلى خطورة الموضوع، وربما كان من الأفضل إفراد الموضوعات كل موضوع منها في موضوع مستقل، ومع ذلك فإن التوصيف الفرعي أو العنوان الفرعي قد أشار بوضوح وصراحة إلى طبيعة القيادات اليمنية وتخلفاها عن العصر ومتطلباته فهي تخاطب ولي العهد السعودي من خلال طلباتها وكأنها تخاطب الملك فيصل ابن عبدالعزيز رحمه الله وهذا ليس انتقاصا من الملك فيصل ، بل الاشارة الى أن هناك زمن طويل بين الملك السابق وولي العهد الحالي الذي يقود نهضة في بلاده من خلال رؤية المملكة حتى العام 2030. والزمن الفارق بينهما هو زمن تغيرات كبرى في عالم التكنولوجيا والرقمنة لم تكن متوفرة في عهد الملك فيصل رحمه الله. 

إن من القضايا التي تبعث على البكاء والضحك في آن واحد، أو لنقل من المفارقات العجيبة في وضع اليمن الحالي أن تطلب قيادات في الشرعية من ولي العهد السعودي مدارس لتحفيظ القرآن (هنا نحن لا نعترض على تحفيظ القرآن فهو ضرورة)، ولكن الحقيقة أن مدارس تحفيظ القرآن في تعز وعدن إضافة إلى المساجد تقوم بها الدور، في الوقت الذي تعاني في جامعاتنا من حالة ضخمة من الانهيار، حيث تنقصها الأجهزة المعملية في الكليات العلمية ، وأجهزة الكمبيوتر، والمكاتب الرقمية وارتباط شبكة الجامعات بالشبكة الدولية للمعلومات، ناهيك عن أن تعز وعدن التي قدم الطلب بتزويدهما بمدارس لتحفيظ القران لا يوجد فيها كهرباء ولا ماء ولا صحة فقد دمرت سنوات الحرب والصراع الداخلي البنية التحتية  لمؤسسات الكهرباء والمياه والصحة، إضافة إلى الطرق والجسور المطارات وكل جوانب البنية التحتية للاقتصاد الوطني. 

ولا يغيب عن بالنا أن الشعب اليمني عامة يعاني من تدهور الخدمات في المجالات المذكرة أعلاه ويعاني الأمرَّين من الفقر والجوع والتشرد بسبب انهيار العملة الوطنية، ،إن قيادات الشرعية تعيش في واد والشعب اليمني في واد آخر. 
 

التماسك المنطقي، فالنص يغطي موضوعات متعددة من التكنولوجيا الرقمية، والحكومة الإلكترونية، والتعليم، وصولًا إلى الفساد وتأثير القوى المتصارعة، فيمكن إعادة تنظيم الأفكار بحيث يكون هناك تدرج منطقي في الطرح بدلاً من القفز بين المواضيع. والدكتور هاني قادر على تنظيم الأفكار وهو لها، كما أشرنا سابقًا، ولكن كل موضوع من هذه المواضيع الآنفة الذكر يمكن أن يكون موضوعاً مستقلاً للبحث كموضوع؛ الحكومة الإلكترونية والرقمنة ومكافحة الفساد المالي والإداري، كذلك التكنولوجيا والرقمنة في الثلث الأول من القرن الحادي والعشرين، والرقمنة في التعليم العام وأهميتها ومكافحة الفساد، والتسيب في التعليم العام، التعليم العالي ودور الرقمنة في تطويره وتطوره ومكافحة الفساد في التعليم العالي وصولاً إلى الفساد في أجهزة الدولة ودور القوى المتصارعة والمتشابكة المصالح في الوقت نفسه في الفساد وانهيار كل منظومات الدولة وعلى رأسها منظومة التعليم والصحة. 

اللغة والأسلوب: حيث الأسلوب يحمل طابعًا فكريًا وتحليليًا، لكنه يميل أحيانًا إلى الجمل الطويلة المركبة التي قد تربك القارئ. يمكن تبسيط العبارات وتقسيم بعض الفقرات لتحسين سلاسة القراءة،  ومن خلال قراءتي لما يكتبه الدكتور هاني فهو أديب يمسك جيدا بزمام اللغة ومفرداتها ومعانيها، وهو من أدبائنا المعروفين بقوة خارج اليمن، ولعل عتبي هذا ليس إلا لسبب واحد هو رغبتنا في وصول هذه الورقة الأكثر أهمية في ساحتنا اليوم، إلى القارئ في كل منطقة بعيدة أو قاصية في وطننا الحبيب.   

التوثيق والدقة: إذ أن هناك إشارات إلى دراسات مثل تقرير الربوي حول الحكومة الإلكترونية في اليمن، لكنها بحاجة إلى توضيح كيف تم تحديث هذه المعلومات لتتناسب مع الوضع الحالي، خاصة أن التقنية تطورت بشكل كبير منذ 2006. ويا حبذا لو يعطي القارئ فكرة عن ما قام به الربوي في دراسته حول الحكومة الإليكترونية في اليمن، لأنَّ الكثير من الناس لا يعرفون عن ذلك شيئا وليس عيبا أن اقول وأنا واحد من هؤلاء الناس، وأعني حتى لو أن هناك ورقة صغيرة مستقلة عن تلك الدراسة التي ناسبت زمن نشرها.

إضافة أمثلة ونماذج: مقارنة التجربة اليمنية مع الإمارات جيدة، لكن يمكن الاستفادة من نماذج أخرى لبلدان واجهت تحديات مشابهة (مثل رواندا التي نجحت في التحول الرقمي رغم ماضيها الصعب). لماذا رواندا؟ لقد خرجت رواندا من حرب تطهير عرقية شنيعة كان الكثير يعتقد أنه لن تقوم لرواندا قائمة بعدها، ولكن رواندا خالفت كل التوقعات وطبقا لمحمد محمد حباظة – المركز الديمقراطي العربي الذي يقول أصبحت " رواندا واحدة من أبرز الدول الإفريقية التي شهدت في السنوات الأخيرة طفرة في معدلات النمو الاقتصادي، وسرعة في عملية التحول الديمقراطي، الأمر الذي حاد بالبعض إلي وصفها بــ  ” سنغافورة أفريقيا "،وهذا الامر يقودنا إلى حقيقتين رئيسيتين هما الإدارة الجديد والإرادة التي توفرت في القيادة الرواندية الجديدة لتخرج برواند من عالم التخلف الى عالم التطور الرحب إقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وهنا قد يقول قائل" إن اليمن ليست رواندا، ولكن للأسف هي قريبة منها فيما حدث من حرب داخلية لم تبق على شيء جميل في حياة اليمنيين ، فتشرد البعض وبقي البعض حبيسا في وطنه عرضة للفقر والمجاعة والأمراض وكل ما تجلبه الحروب البينية في المجتمع الواحد.

أما الحلول والمقترحات:فالنص يطرح مشكلات جوهرية، لكنه بحاجة إلى تقديم حلول عملية واضحة، فيجيب  الدكتور هاني الصلوي مثلًا عن : كيف يمكن لليمن تجاوز الفساد التربوي وتفعيل الحكومة الرقمية وسط التحديات الحالية؟! وهذا ما سيدفعنا إلى مناقشة مستقبل اليمن بين التكنولوجيا والحوكمة الرقمية، فمع تعمّق الأزمات السياسية والإقتصادية في اليمن، تزداد الحاجة إلى حلول مبتكرة تساهم في إعادة بناء الدولة وإصلاح مؤسساتها، في هذا السياق، يمكن أن تلعب التكنولوجيا دورًا حاسمًا في إرساء قواعد الحوكمة الرشيدة، لكن هذا يتطلب إرادة سياسية ورؤية واضحة تتجاوز العوائق التقليدية التي تعيق التنمية. 

تحديات الحكومة الإلكترونية في اليمن

 رغم أن العديد من الدول العربية قطعت أشواطًا كبيرة في التحول الرقمي، لا يزال اليمن يعاني من ضعف في البنية التحتية التكنولوجية وعدم وجود إستراتيجية متماسكة للحكومة الإلكترونية، ففي تقرير صادر عن البنك الدولي أشار إلى أن نسبة انتشار الإنترنت في اليمن لا تزال متدنية، مما يجعل الرقمنة الكاملة للخدمات الحكومية أمرًا بالغ الصعوبة، إضافة إلى ذلك، فإن الفساد الإداري والمالي يشكل عائقًا أساسيًا أمام أي محاولة جادة لإرساء نظام رقمي شفاف، حتى في القطاعات التي شهدت إدخال بعض الخدمات الإلكترونية، مثل تسجيل الأعمال التجارية أو التعاملات المصرفية، فإن غياب الأنظمة الرقابية وعدم ثقة المواطنين في المؤسسات الرسمية أدى إلى إحجام الكثيرين عن الاستفادة منها.

 

دروس من تجارب إقليمية

عند النظر إلى تجارب الدول التي تمكنت من تجاوز أزماتها عبر التحول الرقمي، نجد أن الاستثمار في البنية التحتية التقنية والتعليم الإلكتروني كان عنصرًا أساسيًا في تحقيق التقدم، على سبيل المثال، تمكنت رواندا، رغم ماضيها المأساوي، من بناء اقتصاد رقمي متكامل عبر سياسات حكومية داعمة للإبتكار وريادة الأعمال.في المقابل، نجد أن الإمارات العربية المتحدة قد رسخت مفهوم الحكومة الذكية من خلال توفير الخدمات الإلكترونية للمواطنين والمقيمين بكفاءة عالية، مما عزز من الشفافية ورفع مستوى ثقة المجتمع في المؤسسات الحكومية.

 

خطوات نحو مستقبل رقمي لليمن

 ؛ لكي يتمكن اليمن من تحقيق قفزة نوعية نحو الرقمة، لا بد من اتخاذ عدة إجراءات أساسية:

تحسين البنية التحتية للإتصالات: يتطلب ذلك تعزيز الإستثمارات في شبكات الإنترنت وتوسيع نطاق التغطية، خصوصًا في المناطق الريفية.

إصلاح النظام الإداري: ينبغي وضع آليات واضحة لمكافحة الفساد داخل المؤسسات الحكومية، واعتماد نظام رقمي يحدّ من التدخل البشري في الإجراءات الرسمية.

تعزيز الثقافة الرقمية: يحتاج اليمن إلى تطوير برامج تعليمية متخصصة في التكنولوجيا الرقمية، بدءًا من المدارس ووصولًا إلى الجامعات، لتأهيل جيل قادر على التعامل مع متطلبات العصر الحديث.

توفير بيئة قانونية محفزة: يجب سن تشريعات تدعم التحول الرقمي، مثل قوانين المعاملات الإلكترونية، وحماية البيانات، والأمن السيبراني.

التعاون الدولي والإقليمي: يمكن لليمن الإستفادة من دعم المنظمات الدولية والخبرات الإقليمية في تنفيذ مشاريع التحول الرقمي، مع التركيز على استقطاب الاستثمارات في هذا المجال.

 

نحو مستقبل رقمي لليمن: التحديات والفرص: 

 في ظل تفاقم الأزمات السياسية والإقتصادية في اليمن، تزداد الحاجة إلى حلول مبتكرة لإصلاح مؤسسات الدولة، يمكن أن تلعب التكنولوجيا، من خلالها  دورًا محوريًا في تحقيق الحوكمة الرشيدة، لكن ذلك يتطلب إرادة سياسية قوية تتجاوز العقبات التقليدية. لا شك أن التحديات ستكون حاضرة في هذا المسار، لكنها ليست عائقًا لا يمكن تجاوزه.

 

التحديات التي تواجه الحكومة الإلكترونية في اليمن

ضعف البنية التحتية الرقمية: لا يزال اليمن يعاني من نقص كبير في البنية التحتية للاتصالات، مع انخفاض معدل انتشار الإنترنت وقلة استخدام أجهزة الحاسوب، مما يجعل التحول الرقمي للخدمات الحكومية عملية معقدة.

الفساد الإداري والمالي: يشكل الفساد عائقًا أمام أي جهود جادة للرقمنة، حيث تواجه المبادرات الرقمية مقاومة من داخل المؤسسات التي تستفيد من الوضع الحالي.

ضعف الكفاءات التقنية في المؤسسات الحكومية: لا تزال العديد من الجهات الحكومية تفتقر إلى كوادر مؤهلة تدرك أهمية التحول الرقمي، مما يبطئ عملية التحديث.

 

الإستفادة من التجارب الناجحه:  

لتجاوز هذه التحديات، ينبغي لليمن الاستفادة من التجارب الإقليمية والدولية الناجحة في مجال التحول الرقمي، على سبيل المثال، تمكنت دول مثل رواندا والإمارات، كما ذكرنا ونعيد، من تحقيق تقدم كبير من خلال تبني سياسات داعمة للإبتكار والإستثمار في التكنولوجيا، يمكن لليمن الإستفادة من خبرات هذه الدول، إلى جانب تطوير حلول تناسب ظروفه الخاصة.

خطوات نحو مستقبل رقمي في اليمن

لتحقيق تحول رقمي ناجح، لا بد من إتخاذ خطوات إستراتيجية تشمل:

تطوير البنية التحتية للإتصالات: توسيع نطاق الإنترنت وضمان وصوله إلى المناطق الريفية.

إصلاح النظام الإداري: اَإعتماد الأنظمة الرقمية لمكافحة الفساد وتقليل التدخل البشري في المعاملات الحكومية.

تعزيز الثقافة الرقمية: إدراج مناهج متخصصة في التكنولوجيا والرقمنة في المدارس والجامعات.

سن تشريعات داعمة للتحول الرقمي: مثل قوانين المعاملات الإلكترونية والأمن السيبراني.

التعاون الدولي والإقليمي: استقطاب الاستثمارات الأجنبية لتنفيذ مشاريع التحول الرقمي.

إشراك القطاع الخاص: يعد القطاع الخاص شريكًا أساسيًا في عملية التحول الرقمي، حيث يمكنه تقديم الدعم التكنولوجي والمالي وتطوير الحلول الرقمية المبتكرة.

وختامًا، فإن التحول الرقمي فرصة حقيقية لليمن للخروج من أزماته الراهنة، لكنه لن يكون ممكنًا دون إصلاحات مؤسسية جادة وإرادة سياسية قوية وإن إشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني، إلى جانب الاستفادة من الخبرات الإقليمية والدولية، سيشكل حجر الأساس لبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا. التحول الرقمي ليس مجرد خيار، بل ضرورة تفرضها التحديات الراهنة وفرصة لتحقيق تنمية مستدامة، وعودة إلى طرح الصلوي ورغم ما قدمت من ملاحظات أعرف أن الصلوي قد ناقش كثيرًا منها في أبحاثه ودراساته واستفاض، فإن ما قدمته من ملاحظات إنما تخص هذا المقال المهم فالمعنيين لا يقرؤون الكتب، أما المقالات فثمة من يختصرها لهم ويقدمها على شكل كبسولات مبتسرة فاقدة للهدف المراد تحقيقه، ومع كل هذا فلا تفوتني في النهاية الإشارة إلى أن الصلوي كتابات متعددة في مجالات متعددة ومنها فلسفته التي عرفت باسم الحداثة اللامتناهية الشبكية والتي ابتدأت مع دراسات نشرها من فترات طويلة وتوجت بكتابه الشهير" الحداثة اللامتناهية الشبكية، أزمنة النص ميديا، آفاق بعد ما بعد الحداثة ٢٠١٤"، ثم طورها في كتب لا زال يوالي نشرها، فهل تسمع حكومتنا لهذا الصوت المتجاوز أم سنظل محلك سر، نخاطب الملك فيصل كما قال؟! 

أتمنى أن يستمر الصلوي في دأبه، وسنقدم رؤانا لكي يؤتي المشروع ثماره، كما أتمنى على الأصدقاء مناقشة الموضوع من سائر جوانبه  لا سيما موضوع التعليم، ومكافحة الفساد، والشفافية الإلكترونية، وكيف سينظر إلى هذه الموضوعات الآن مع قرب التشكيل الجديد لهيئة مكافحة الفساد في اليمن، والتي نحلم أن تكون مختلفة هذه المرة.